صفاء الزين


صفاء الزين

في الخامس عشر من أكتوبر من كل عام يتوقف العالم لتكريم المرأة الريفية تلك التي تحفظ خيط الحياة بين الإنسان والأرض وتنسج من الصبر مستقبلًا يتحدى الزوال
لكن في السودان يحمل هذا اليوم وجعًا خاصًا وصدقًا لا يشبه سواه فالمرأة الريفية هنا لا تحتفل بنفسها بل تواصل السير وسط أنقاض الحرب تحمل في قلبها ضوءًا لا ينطفئ

في كل ريف سوداني من القرى المتناثرة في الشرق إلى الوديان الهادئة في كردفان ومن الأراضي المغبرة بالنزوح في الغرب إلى الحقول الممتدة عبر الشمال وصولًا إلى ريفيات النيل الأزرق تقف النساء الريفيات كخط الدفاع الأخير عن الحياة
الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 لم تترك ريفًا إلا وأثرت فيه مباشرة أو غير مباشرة مما جعل كل الريفات متضررة بدرجة أو أخرى
في كل منطقة وصلتها الحرب يحملن الماء من آبار جفت أو بُعدت يزرعن في تربة تحولت إلى رماد ويطعمن أطفالاً لا يعرفون سوى رائحة الدخان وصوت الانتظار
ولأن الحرب تمسّ الريف أولًا تشير تقارير الأمم المتحدة لعام 2024 إلى أن أكثر من 17.7 مليون شخص أي أكثر من ثلث سكان السودان يعانون من الجوع الحاد ومعظمهم في المناطق الريفية حيث يصل 4.9 ملايين إلى حافة المجاعة وهو ما يعكس التأثير الشديد على حياة هؤلاء النساء
لا يعدهن الصباح بالسلام لكنهن ينهضن لأن الثبات بالنسبة لهن ليس خيارًا بل هوية

المرأة الريفية السودانية ليست مجرد فلاحة أو أم بل هي ذاكرة الأرض
في صمتها حكمة الأجيال وفي خطواتها المتعبة قصص حقول ثبتت أمام الجفاف والقصف
الحرب سرقت منها الأسواق التي كانت تبيع فيها محصولها وشتتت عائلاتها وأدت إلى انخفاض الدخل الريفي بنسبة تصل إلى 19% في بعض المناطق حسب استطلاع IFPRI لعام 2023 لكنها لم تستطع أن تسلبها إيمانها بأن الأرض ستنبت من جديد
هي التي تحفظ أناشيد الريف القديمة وتنسج من خيوط الريح أملًا جديدًا كأنها تعيد رسم خريطة الوطن بيديها

اليوم الدولي للمرأة الريفية ليس مجرد مناسبة بل لحظة للاعتراف بعمق حضور هذه المرأة
في ريف السودان هي النهر الذي يجري في قلب الجفاف والنبتة التي تتشبث بشقوق الصخور
من بين أنقاض القرى التي اجتاحتها الحرب ومخيمات النزوح التي تملؤها الحياة رغم الألم تولد كل يوم امرأة ريفية جديدة تحمل الوطن في كفيها العاريتين وتزرع بذرة حياة في تربة اليأس

ولكن المرأة الريفية لا تقاوم فقط بل تُعيد البناء
عندما تنتهي الحرب ستكون هي من تعيد إحياء الحقول من تنقل إلى أبنائها تراث الأرض ومن تقود المجتمع نحو الشفاء
هي التي ستزرع أول شتلة في أرض محروقة وستعلم الأجيال القادمة أن الوطن ليس مجرد تراب بل إرادة لا تنكسر

في هذا اليوم بينما يكرم العالم المرأة الريفية نحن في السودان نكرم أصل الوجود
المرأة التي جعلت من الأرض وطنًا ومن الصبر قصيدة ومن الحياة فعل إصرار لا ينتهي

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.