قميص عثمان
التقي البشير الماحي
الإنسان بفطرته يميل إلى العيش في جماعات، وفي سبيل ذلك هو مستعد دوماً لتقديم بعض التنازلات ضمانًا للعيش المشترك على هذا الكوكب. وهي حقيقة ندركها حتى من أبسط أنواع العلاقات الإنسانية، تلك التي يقدم فيها الزوج والزوجة تنازلات متبادلة لحفظ استقرار البيت واستمرار الحياة.
كثيراً ما نسمع ضجيجًا حول مفهوم السيادة الوطنية باعتبارها عنوان الاستقلال وراية الكرامة داخل حدود الدولة.
غير أن هذا المفهوم، في عالم اليوم، آخذ في الاضمحلال فكلما ارتقت الإنسانية أصبح التواصل أكثر سهولة ويسرًا بفعل وسائل التواصل ليصبح العالم أصغر من قرية، ما يحدث في أقصى الأرض يؤثر في الطرف الآخر من الكوكب. فإذا عطس السودان اليوم أصابت أوروبا نوبة زكام، وإذا حمد الله شمتته الجارة مصر.
في واقع اليوم، لا يمكن لدولة أن تعيش بمعزل عن غيرها. فأمن الولايات المتحدة على سبيل المثال يمر عبر ميناء بورتسودان، وإذا جاعت إثيوبيا فلن تنتظر إذنًا بالزراعة في سهول البطانة. العالم أصبح اليوم مترابطاً إلى حدٍّ يجعل الانعزال وهمًا، والسيادة المطلقة أمراً لا وجود له حتى في أمريكا.
من يشعل الحروب لا ينتظر أن تُقدَّم له وجبات الغذاء مجانًا من أجل أن يواصل معركته، فكلما جاع شعبه قال: “هل من مزيد؟”.
أما السياسي الحصيف، فهو من يدرك أن التنازل من أجل العيش المشترك ليس ضعفًا بل فن إدارة المصالح، وهو ما عبّر عنه العالم الحديث بمفهوم تقاطعات المصالح. إنها السياسة الواقعية التي جعلت دونالد ترامب رئيسًا لأقوى دولة في العالم بشعار: “أمريكا أولًا”، دون أن يعني ذلك الانعزال عن الآخرين.
لكن في بلادنا، تحولت السيادة الوطنية إلى شماعة يعلق عليها البعض فشله، واستُخدمت لخداع البسطاء وابتزاز العواطف.
قد تخدع بعض الناس كل الوقت، أو كل الناس بعض الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت.
المضحك المبكي أن من يحدث الناس عن السيادة، هو ذاته الذي لا يتردد في الجلوس في فنادق ماليزيا بتمويل من منظمات فرنسية، أو في إرسال وفود مدفوعة النفقات إلى بريطانيا دون أن يشرح للناس: “هذا لكم… وهذا أُهدي لي”.
ومن يصرخ ضد عمالة المنظمات، هو ذاته الذي يتلقى دعمها في صمت ثم يخرج متباهيًا متكئأ على لافتة تشاتام هاوس
وفي نهاية المطاف، يظل السؤال قائماً، بصوت الفنان محمد النصري وهو يردد:
سؤال منو القيامة تقوم
هل حدث في تاريخ السودان القديم أو الحديث، أن نال أحدهم جنسية دولة أخرى، بينما يزين كتفه أعلى الرتب ويتقلد أكثر المناصب حساسية؟.
المصدر: صحيفة التغيير