أمد/ (أرادوا جحيما بقدر ما يشتهون..بقدر ما نشتهيهم..نعم..وليعمّ الجحيم( مظفر النواب)
نالت القضية الفلسطينية وأحداثها المريرة على نصيب وفير من كتابات الشعراء الفلسطينيين، فسجل كل منهم وقائع وحقائق مختلفة،إذ نجحت هذه الأشعار بتلخيص الحالة الفلسطينية والذاكرة الجماعية الشعبية،كما استطاعت أن توثق أحداث الماضي والحاضر والمستقبل،فغالبية الشعراء تمتعوا ببصيرة ساعدتهم على تصور الوضع الفلسطيني تباعًا على ما مر به شعبهم من انتهاكات وخيبات متواصلة.
وكما الأمس،تلهم غزة اليوم شعراء العربية ببطولات المقاومة،ودماء الشهداء وإصرار الغزيين على النهوض من تحت الركام وعشقهم الحياة، “على أرض غزة ما يستحق الحياة”،ومن هنا جادت قريحة الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير بقصيدة طرزتها بمداد الروح مسكونة بتعاطف وعاطفة تجاه فلسطين،غزة والمقاومة بهدف إعادة الأمل ومساندة شعار الأهل “لن نرحل”.
وجاء في التقديم : غزّةُ تدبُّ بِها الحياةُ من جديدٍ بعد توقّفِ إطلاق النار،بفضل الله وشجاعةِ المجاهدينَ وتعاضُدِ العرَبِ والمسلمينَ وصَوتِ الشّعوبِ ورغبةِ (ترمب) بتحقيق السلام ونيل شهادة نوبل!
والشاعرة الفلسطينية الكبيرة أعزيزة بشير ،هي من أصحاب المساهمات الفكرية العميقة والآراء السديدة،وانفعالها الشعري انفعال عاطفي وعقلاني إنهم ترى الحقيقة أكثر ممّا يراها غيرها لأنها مسلحة بالمعرفة والوعي والعقل والحدس،ولذلك تجد في قصائدها عمقا فكريا وصدقا عاطفيا وقدرة على تقييم الماضي ونقد الحاضر واستشراف المستقبل..وهنا أؤكد،أن جوهر الفن الشعري ومادته هي المشاعر وانطباع الشاعر إزاء أحداث أو وقائع أو أشخاص أو صور تمثّل موقفه ممّا يحيط به،وكلّما كان الحدث جللا كان الشعر أكثر إحساسا به وتعبيرا عنه.وأيّا كانت المشاعر التي تحملها القصيدة فإنها تعبر عن مواقف وأفكار وحالات ذهنية.فلا يمكن للشاعر أن يغضب أو يحزن أو يتألم لاستشهاد قائد من المقاومة إلا إذا كان مؤيدا لها،أو يبتهج لتدمير دبّابة صهيونية إلا إذا كان موقفه معارضا للاحتلال ومساندا للمقاومة.أو يفرحفرحا طفولياإلا إذا كان عاشقا لطين الأرض..أرض غزة..رمزة العزة..وعنوان المقاومة الأسطوورية المذهلة..
إن المتأمل في قصائد الأستاذة عزيزة بشير يكتشف بسهولة،أن هذه الشاعرة المغتربة مسكونة بالألم والوجع لأنها أكثر الناس إحساسا بوجع أمتها،فقصائدها تخرج من أعماق الروح حيث موطن الوجع ومنبت المشاعر،لكنها تتصدى بسلاح الأمل في المستقبل وإعلان الفرح في مقاومة الحزن والقلق وهذه هي اللياقة الروحية الحقيقية عندما تصنع بشعرها الحلم الذي تريد تحقيقه لأنها تدرك أن الحلم هو الطريق إلى الحقيقة “كل حقيقة بدأت حلما”.ومن ومن قصيدتها العذبة نقتطف “وغداً أسارَى مع الرّهائنِ يُطلَقوا/والجيشُ يُسحَبُ والسّلامُ …يَطولُ/ما زالَ صَوْتٌ للشّعوبِ،مُجَلْجِلاً / افْلِسطينُ حُرَّةُ واحْتِلالُ …….يَزولُ..”..وهنا،تتجلى أهم وظائف الشعر العربي المتجسدة في حالات مواجهة الأخطار والتحديات وهي الاستنهاض والتثوير والتجييش وإثارة الحماسة والمحافظة على الأمل دون تعارض أو تناقض مع التوعية والتنوير..
وشاعرتنا الفذة ( الأستاذة عزيزة بشير ) هي من طليعة الشعراء/ الشاعرات،المتنورين في مجتمعاتهم وقادة الرأي وحملة المشاعل،يتقدمون الصفوف في تشكيل الوعي الجمعي وبناء العقل الكلي للأمة،ولذلك نراها في جل قصائدها(الشعر المقاوم) تنشر الأمل بالنصر والحماسة والتحرير وروح التفاؤل في أوقات اليأس والإحباط، وتفجر طاقات المقاومة بالتعبير بالكلمة الشاعرة الهادفة الملتزمة من أجل عالم أفضل وغد أجمل تسوده العدالة ويغمره السلام دفاعا عن القيم الإنسانية النبيلة والمثل والمبادئ الأخلاقية الأصيلة،فهي منسجمة مع مقولة درويش “على هذه الأرض ما يستحق الحياة..”
ما زالَ صَوْتٌ للشّعوبِ،مُجَلْجِلاً
افْلِسطينُ حُرَّةُ واحْتِلالُ …….يَزولُ
حَمْداً لِرَبِّي على التّضامُنِ أُمّتي
مِنْ مسلمينَ وعُربِي،…..ليسَ قليلُ
هذه الشاعرة الفلسطينيةودون محاباة أو مجاملةتذكرني بنساء من التاريخ العربي والإسلامي،هن قدوة لتاريخنا مثل الخنساء وصفية بنت عبد المطلب وخولة بنت الأزور وغيرهن من النساء اللواتي يشكلن علامة فارقة في التاريخ.وهنا أؤكد ثانية أن أن القصيدة المقاومة الملتزمة على غرار قصائد الأستاذة عزيزة بشير،تمثل وجهة نظر غير قابلة للتغيير ورأيا عقديا وموقفا ثوريا والتزاما أخلاقيا بالدفاع عن القيم الإنسانية النبيلة ودعوة صريحة لرفض الظلم،ومحاربة القبح بأشكاله ولا سيما احتلال أراضي الغير،واستعباد الشعوب وهضم الحقوق ولذلك تكتسب القصيدة المقاومة لدى أعزيزة بشير أهميتها وقيمتها من هذا الدور الذي تؤديه.
إن القصيدة المقاومة ليست ترفا فكريا ولا لعبة لغوية ولا استعراضا للعضلات اللغوية والبيانية، وإنما هي تعبير عن موقف وفكر ثابت مؤمن بهذه الأمة ومبادئها وقيمها وريادتها الحضارية وأصالتها الفكرية التي تحمل رسالة العدل والخير والحق للإنسانية.كالرسالة النبيلة التي حملتها غزة بعزة وظلت نبراسا ينير دروب القادمين في موكب الآتي الجليل،وترجمتها الشاعرة الكبيرة ( إبنة جنين الشامخة أعزيزة بشير ) ببهاء،وعطاء وشموخ..وطرزتها ببهجة النصر المبين لشعب يفترش الأنقاض،ويلتحف برداء الموت النازل من سماعء عمياء،لكنه يؤمن بأن النصر
ينبجس من ثناياه ملاحم شعب يرفض الإستسلام ويصنع مجده واستقلاله بدماء شهدائه ويكتب الملحمة الخالدة التي ستقتحم ذاكرة التاريخ كعمل جليل يوازي في عظمته الملاحم الكبرى عبر تاريخ الإنسانية جمعاء.
وإذن؟!
لم يكن غريباً إذا،أن تحظى غزة منذ القدم باهتمام الشعراء،أو أن تكون مصدر إلهامهم ومحط أنظارهم ومثار حنينهم،كما كان حال الإمام الشافعي،الذي وُلد فيها وقضى في ربوعها ردحاً من الزمن،حتى إذا غادرها متنقلاً بين الأمصار،واستبد به الشوق إلى مرابعها،قال فيها:
“وإني لمشتاقٌ إلى أرض غزةٍ وإن خانني بعد التفرّق كتماني
سقى الله أرضاً لو ظفرتُ بترْبها كحَلتُ به من شدة الشوق أجفاني”
وتقول شاعرتنا السامقة الأستاذة عزيزة بشير :
غزّةُ تدبُّ بِها الحياةُ من جديدٍ بعد توقّفِ إطلاق النار، بفضل الله وشجاعةِ المجاهدينَ وتعاضُدِ العرَبِ والمسلمينَ وصَوتِ الشّعوبِ ورغبةِ (ترمب) بتحقيق السلام ونيل شهادة نوبل!
ألضَّرْبُ أوقِفَ والسّماءُ تزيّنَتْ
بالحَمْدِ والتّكبيرِ ………جلَّ جليلُ
حَمْداً لِرَبِّ الكائناتِ لِنِعْمَةٍ
لِلْعَوْدِ لِلدّارِ الحبيبةِ ……….قالوا:
أللهُ أكبرُ (غزّةٌ )عادَتْ لَنا
صُهيونُ يُقهَرُ والسّلامُ ……..يَجولُ
مهْمَا الدِّيارُ تغيّرتْ أحوالُها
هَدْمٌ ورَدْمٌ قاتِلٌ …..………وَطُلولُ
لكنّ خيْمَةَ فَوْقَ ذاكَ حبيبةٌ
أرْضَ الجُدودِ فَلنْ يُجافِي…. أصيلُ
وَإذا بخيْمَةِ لن نَطالَ بِعَوْدةٍ
أحجارُ بيْتِنَا فَرشَةٌ ………. وظليلُ
وغداً أسارَى مع الرّهائنِ يُطلَقوا
والجيشُ يُسحَبُ والسّلامُ …يَطولُ
ما زالَ صَوْتٌ للشّعوبِ ، مُجَلْجِلاً
افْلِسطينُ حُرَّةُ واحْتِلالُ …….يَزولُ
حَمْداً لِرَبِّي على التّضامُنِ أُمّتي
مِنْ مسلمينَ وعُربِي،…..ليسَ قليلُ
أمريكَا شدّتْ مع أوروبّا؛ ليوقِفوا
حرْبَ الإبادةِ (مصْرُ)فيهِ …….رسولُ
والكُلُّ فيهَا بقِمَّةٍ وَمُجاهِدٌ
لولا التّعاضُدُ لَنْ تُطالَ ……حُلولُ
لولا التّعاضدُ، لا سلامَ بأرضِنا
والنِّتْنُ يعبَثُ ،بالسّلاحِ …….يَصولُ
(وتْرَمبُ) ماضٍ مَعَ تَعاضُدِ أمّتي
للنّتنِ يكبحُ ، للسّلامِ …………يميلُ
يا ربّ ِ ساعِدْ (غزّةً) وتَوَلَّها
لَمْ يبْقَ عائلُ في العَراءِ ،…….يُعِيلُ
ساعِدْهَا ربّ ِ على البقاءِ بأهْلِها
فالهَجْرُ ذُلٌّ والطّريدُ…..……ذليلُ!
عزيزة بشير
أما أنا فأقول :الشاعر خلق ليكون رسولا،يحمل رسالة أخلاقية مستمدة من هويته،ومن هنا جادت قريحة شاعرتنا العزيزة أعزيزة بشير بقصيدة عن غزة المكلومة والمنكوبة من العدو وانضمامها إلى كوكبة من الشعراء الذين يتسلحون بالكلمة في مواجهة الرصاصة.وعزيزةمدججة برصاص الكلمات الذي سيخترق حتما سجوف الصمت والرداءة،ويعزف أنشودة النصر المبين..
لست أحلم،لكنه الإيمان الأكثر دقة في لحظات التاريخ السوداء من حسابات الآفاقين وحفاة الضمير.وعراة الإنسانية في زمن أخرس مفروش بالرحيل..