برزت تكنولوجيا الدفع الكهربائي كأحد أهم الابتكارات الحديثة في مجال استكشاف الفضاء، إذ تمهد الطريق لمرحلة جديدة من الرحلات البعيدة، وتمنح البشرية القدرة على الوصول إلى كواكب وأجرام لم تكن ممكنة من قبل.
وتعد هذه التقنية نقلة نوعية مقارنة بالصواريخ الكيميائية التقليدية، التي ظلت لعقود العمود الفقري للبعثات الفضائية.
كيف يختلف الدفع الكهربائي عن الصواريخ التقليدية؟
بدلا من الاعتماد على احتراق الوقود لتوليد القوة، تستخدم أنظمة الدفع الكهربائي الطاقة الكهربائية لتوليد الدفع، ما يجعلها أكثر كفاءة وأطول مدى.
وتتضمن هذه الأنظمة أنواعا مختلفة مثل محركات الأيونات ومحركات تأثير هول، التي تسمح للمركبات الفضائية بالتحليق لفترات طويلة واستهلاك كميات أقل من الوقود، مع القدرة على زيادة السرعة تدريجيا، بحسب ما ذكره موقع Innovation News Network.
آلية العمل
يعتمد الدفع الكهربائي على تحويل الكهرباء إلى طاقة حركية بطرق متعددة.
فمحركات الأيونات تؤيّن غاز الزينون وتستخدم الحقول الكهربائية لتسريع الأيونات وإطلاقها، بينما تجمع محركات تأثير هول بين الحقول الكهربائية والمغناطيسية لتوليد بلازما تُقذف بسرعة عالية إلى الخارج.
أما محركات القوس الكهربائي، فتسخن الوقود كهربائيا قبل طرده لتوليد قوة الدفع.
ورغم أن القوة الناتجة لحظيا صغيرة، إلا أن استمرارها لفترات طويلة يمنحها فعالية كبيرة في الرحلات البعيدة.
من التجارب إلى التطبيق العملي
تحولت تكنولوجيا الدفع الكهربائي من مرحلة الأبحاث إلى الاستخدام الفعلي في عدد من أبرز المهمات الفضائية.
فمسبار “داون” التابع لوكالة “ناسا” استخدم الدفع الأيوني عام 2007 لاستكشاف كويكبي “فيستا” و”سيريس”، محققا إنجازًا تاريخيًا بالتنقل بين جسمين سماويين.
كما تعتمد مهمة “بيبي كولومبو” المشتركة بين وكالة الفضاء الأوروبية واليابانية على هذه التقنية في رحلتها إلى كوكب عطارد، فيما تخطط “ناسا” لاستخدامها ضمن برنامج “أرتميس” للعودة إلى القمر.
مزايا تفوق الأنظمة الكيميائية
تتميز أنظمة الدفع الكهربائي بكفاءة عالية في استهلاك الوقود، ما يسمح بتقليل وزن المركبة أو تمديد مدة المهمة دون الحاجة إلى التزود بالوقود.
كما توفر تسارعا مستمرا ودقيقا يمنح المركبة قدرة على المناورة والتحكم، وهي ميزة ضرورية عند الاقتراب من الكواكب أو عند الهبوط.
وتعد قلة الأجزاء المتحركة داخل هذه الأنظمة عاملًا مهمًا في تقليل الأعطال وزيادة الموثوقية.
تحديات تواجه التقنية
رغم التطور الكبير، لا تزال التقنية تواجه بعض العقبات، منها ضعف القوة الدافعة في البداية، ما يجعل الوصول إلى السرعات المطلوبة يستغرق وقتا أطول.
كما أن اعتمادها على مصادر طاقة مثل الألواح الشمسية أو المفاعلات النووية يحد من استخدامها في بعض البيئات البعيدة عن الشمس، إذ تحتاج هذه الأنظمة إلى إدارة دقيقة للطاقة والوقود، وهو ما يزيد من تعقيد التصميم وتكلفة التطوير.
مستقبل الدفع الكهربائي والذكاء الاصطناعي
تتجه الأبحاث المستقبلية إلى تطوير مواد وتصاميم جديدة تقلل الوزن وتزيد الكفاءة، مع دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي لإدارة الطاقة وتوجيه الدفع بذكاء أكبر.