كتب : سهر عبد الرحيم
07:58 م
12/10/2025
اتسم الموقف الأمريكي من حرب غزة بتناقض واضح؛ فبينما واصلت واشنطن دعمها العسكري والدبلوماسي لإسرائيل، مستخدمة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرارات وقف إطلاق النار، وأيضًا دعمها القوي في توفير السلاح المستخدم في الحرب، كانت في الوقت نفسه تحاول التوسط لإنهاء الحرب وتخفيف الأزمة الإنسانية لأهالي قطاع غزة.
فبين خطابٍ رسمي يدعو إلى ضبط النفس وإنهاء القتال، وسياساتٍ ميدانية تكرّس التفوق الإسرائيلي، بدت واشنطن وكأنها وسيطٌ يحمل السلاح في يد، وغصن الزيتون في الأخرى، في مشهدٍ يلخص تناقض دورها بين دعم آلة الحرب ومحاولات صناعة السلام.
أسباب وصور التناقض
تقول محامية الأمن القومي الأمريكي وعضو مجلس إدارة مركز واشنطن الخارجي لحرب المعلومات، إيرينا تسوكرمان، إن الموقف الأمريكي من حرب غزة يعكس ازدواجية قديمة في السياسة الخارجية الأمريكية، التي تحاول تحقيق التوازن بين هدفين متعارضين.
وتوضح تسوكرمان، خلال حديثها لـ”مصراوي”، أنه من ناحيةٍ، تنظر واشنطن إلى إسرائيل باعتبارها حليفًا استراتيجيًا ضروريًا لوضعها العسكري وشبكة الردع في الشرق الأوسط، ومن ناحيةٍ أخرى، ترغب الولايات المتحدة في الحفاظ على صورتها كلاعبٍ عالمي ملتزم بالمبادئ الإنسانية والقانون الدولي.
وبرز هذا التناقض في أن الولايات المتحدة تواصل الدفاع عن إسرائيل عسكريًا ودبلوماسيًا، إذ استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) حوالي 6 مرات في اجتماعات الأمم المتحدة لمنع وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنع صدور عقوباتٍ ضد الاحتلال، وفي الوقت ذاته تعرب عن تعاطفها مع الأزمة الإنسانية.
وتشير تسوكرمان إلى أنه من الناحية الاستراتيجية، كانت السياسة الأمريكية متجذّرة دائمًا في ضمان الميزة الأمنية لإسرائيل على خصومها، وهو ما برز في الفيتو الذي استخدمته واشنطن، والذي كان بمثابة تذكيرٍ بأن أي ضغطٍ دولي لن يؤدي إلى عزل إسرائيل، بينما تظل حجر الزاوية في النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة.
مسرح دبلوماسي
تقول عضو مجلس إدارة مركز واشنطن الخارجي لحرب المعلومات، إنه خلال حرب غزة التي استمرت عامين كاملين، أعرب المسؤولون الأمريكيون عن أسفهم لمقتل المدنيين، ودعوا إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع الذي دمرته الحرب الإسرائيلية، ولكن من دون صدور إجراءاتٍ عقابيةٍ تُصاحب هذه التصريحات.
وترى تسوكرمان أن هذا “القلق الأمريكي” ليس سوى “مسرحٍ دبلوماسي” لإدارة الغضب الداخلي، إذ تحاول واشنطن من خلال هذه الازدواجية طمأنة التقدميين المنتقدين لإسرائيل، من دون إغضاب المحافظين الداعمين لها.
وعلى الصعيد الدولي، تسعى واشنطن إلى الحفاظ على نفوذها عبر موازنة المصالح المتضاربة، إذ ينتظر العالم تدخلها لكبح إسرائيل، بينما تعتمد الأخيرة عليها لتجنّب العزلة الدبلوماسية، مما يجعل الولايات المتحدة اللاعب الوحيد القادر على إدارة الطرفين وضمان اعتماد الجميع على وساطتها، بحسب تسوكرمان.
وتختتم إيرينا تسوكرمان حديثها بالتأكيد أن حرب غزة كشفت مجددًا تناقض الدور الأمريكي، إذ تمتلك واشنطن ما يكفي من النفوذ لتوجيه قرارات إسرائيل دون القدرة على كبحها تمامًا، فهي تمدّها بالسلاح وتدعو في الوقت نفسه للسلام، مما يجعلها شريكةً في تبعات الحرب، تمارس نفوذها عبر الصمت والتنسيق لا عبر الشروط أو التهديدات.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأمريكي وعضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي، نعمان أبو عيسى، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أدرك أن إسرائيل لا تستطيع مواجهة العالم بأسره، خاصةً بعدما كشفت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي حجم العزلة الدولية التي طالت كلًّا من إسرائيل والولايات المتحدة نتيجة استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة.
ويشير أبو عيسى، خلال حديثه لـ”مصراوي”، إلى أن من أسباب تغيّر الموقف الأمريكي أيضًا، أن إدارة ترامب منحت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ثمانية أشهر لإنهاء الحرب واستعادة الأسرى، لكنها فشلت في ذلك، ما أكد أن الوقت قد حان للتوصل إلى حلٍّ سياسي.
وفيما يتعلق بالتناقض الأمريكي، يقول أبو عيسى إن هذا أيضًا كان حال الإدارة في عهد الرئيس السابق جو بايدن، إذ كان يدعو هو الآخر إلى وقف إطلاق النار، لكنه في الوقت نفسه كان يمول الحرب، ويسمح لإسرائيل بالحصول على معظم الأسلحة من مخزون السلاح الأمريكي.
وعندما تولّى دونالد ترامب الحكم في يناير الماضي، أكّد أنه سيسمح لإسرائيل بالوصول إلى مخزونٍ أكبر من الأسلحة كي تستخدمه للقضاء على حركة حماس وإنهاء هذه الحرب.
ويتابع عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الأمريكي: “لكن بعد ثمانية أشهر لم تنجح إسرائيل في إنهاء الحرب واستعادة الأسرى، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى الدخول في مفاوضات”، معتبرًا أن الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة يُعد فشلًا للإدارة الأمريكية، ومن قبلها لإسرائيل.
وفي وقت سابق اليوم الأحد، قال نائب الرئيس الأمريكي جيه دى فانس، إنه لأول مرة منذ زمن بعيد نقترب من سلام دائم في غزة، مشيرًا إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنهت الحرب عبر دبلوماسية غير تقليدية.
وأضاف دى فانس، في تصريحات إعلامية، أن منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صلاحيات استثنائية لأول مرة لموفدي الولايات المتحدة ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر هو ما أفضى إلى اتفاق السلام في شرم الشيخ. وأشار نائب الرئيس الأمريكي، إلى أن هدف أمريكا هي إعادة الأسرى من غزة ووقف الحرب وبناء تسوية طويلة الأمد.