جذب الودائع والاقتراض ودوران المال واشتراطات نسب السيولة أبرز المخارج
7 بنوك عزّزت رأسمالها منذ بداية 2025 بنحو 6.4 مليار دولار
الاستمرار بخفض الفائدة وارتفاع الشهية للسيولة قد يزيد تسعير الودائع المستقرة
التحول يأخذ بالاعتبار إدارة التحديات بمرونة توازن بين التكاليف والربحية المستدامة
الانتعاش التمويلي يأتي هذه المرة على جناحي القروض طويلة الأجل والمبالغ الكبيرة
البنوك تتحضّر للتحول من التنقيب عن النمو لتدعيم مخزون سيولتها للنهضة ائتمانياً
لا تُعدّ مجافاة للحقيقة القول، إنّ البنوك الكويتية تمرّ بنهضة ائتمانية محتملة غير معهودة منذ 2008، لتدخل مع ذلك مرحلة جديدة مرجحة من النمو المتصاعد للإقراض بالدينار، بدرجة يمكن التنبؤ معها استمرار انتعاش منح التمويلات في السنوات المقبلة بمعدلات تفوق الزيادة المسجلة في الودائع.
ففي الوقت الذي يواصل فيه الاقتصاد غير النفطي نموه مدفوعاً بزيادة الإنفاق الاستثماري، يتسارع دوران عجلة مشاريع «رؤية 2035»، فضلاً عن تفعيل قانون «التمويل والسيولة» الذي أقرّ في مارس الماضي، وتنامي التوقعات بزيادة إصدارات الدّين العام المرحلة المقبلة، ما يجعل السؤال مشروعاً، هل تغيّر البنوك الكويتية إستراتيجيتها تفادياً لأي ضغوط قد تطرأ عليها في مواجهة أي شح محتمل في سدّ فجوة السيولة الناجمة عن قفزة التمويل المرتقبة؟ وما البدائل التي يمكن أن تلجأ إليها للمحافظة على مرونتها تمويلياً بإدارة فعّالة للتكاليف والربحية المستقرة، وسط التوقعات بمزيد من انخفاض أسعار الفائدة الفترة القريبة وارتفاع الشهية المصرفية لجذب السيولة التي سيتبعها حُكماً منافسة حامية وتسعير عالٍ.
زخم السؤال
ولعل ما يعطي هذا السؤال زخماً إضافياً، أن الودائع تشكّل تاريخياً المصدر الرئيسي للبنوك الكويتية، سواء في إقراض الأشخاص والشركات أو في تمويل الدّين العام كما حدث في 2017، فمع التوقعات المتنامية باستمرار نمو القروض السنوات المقبلة، وترجيح خروج بعض الودائع من دفاتر البنوك تأثراً بخفض الفائدة وبحث أصحابها عن معدلات ربحية أعلى، تدفعهم لدخول الدورة العكسية للأموال من باب سوقي الأسهم أو العقار كما درجت العادة، بدأ صانعو السياسة الائتمانية منذ فترة استشراف هذا المستقبل بتقديم نظرة مختلفة لدفاترهم، في مسعى لتوفير حلول تمويل مستدامة تعزّز قدرتهم على المساهمة القوية في خطط التحول الاقتصادي طويلة المدى في الكويت، ومقابلة نمو النشاط غير النفطي.
«التمويل والسيولة»
وبمجرد فتح الحديث الجاد عن قانون التمويل والسيولة، وكان من ثماره الاقتراض من السوق المحلي حتى الآن نحو 1.8 مليار دينار، في صورة سندات وأدوات مرابحة على آجال موزعة بين سنة و10 أعوام، بدأ التحول الإستراتيجي يظهر على مسؤولي البنوك، فمن منقبين عن فرص جاذبة لتوظيف فوائض سيولتهم، سواء داخل الكويت وخارجها، كما لوحظ في العامين الماضيين، إلى باحثين عن تنويع مصادرهم ليتمكنوا من الانغماس بقوة في التمويلات الضخمة المرتقبة محلياً، مدفوعين بمتغير محوري يتمثل في استحداث منحنى جديد للقروض بآجال طويلة، ومبالغ كبيرة.
وبالطبع لا تقتصر الشهية المصرفية المفتوحة في هذا الاتجاه على تغطية التمويلات المعلنة والمغطاة بكفاءة عالية حتى الآن، بل تستهدف مقابلة مسارات القفزة التمويلية المرتقبة، والتي من المخطط أن تتضمن قائمتها مشاريع كبرى يرتقب طرحها قريباً، وعلى رأسها المطور العقاري وإقرار قانون التمويل العقاري، وطرح ميناء مبارك، وجميعها يفتح سككاً واسعاً ومتنوعة لطلب خطوط التمويل الواسعة.
وعودة مرة ثانية إلى صانعي السياسة الائتمانية، وخططهم لتمويل هذا التحول الائتماني، حيث قد يكون مفيداً هنا الإشارة إلى أن البنوك الكويتية تملك أساساً متيناً لدعم أجندة النمو الائتماني، مدعومة بفائض سيولة كبير وقدرة رأسمالية عالية تؤهلها لأن تكون شريكاً حقيقياً في تمويل مشاريع التنمية المرتقبة مع الحفاظ على كفاءتها العالية في تمويل مختلف قطاعات الاقتصاد.
إجراءات عدة
لكن مصرفياً، هناك تفاصيل وإجراءات عدة متخذة وأخرى مخططة لاستمرار دعم مخزون السيولة، والذي سيكون متبايناً من بنك لآخر، وإن كانت الحركة الائتمانية ستشكّل نمواً ملموساً لجميع وحدات القطاع، وفي مقدمة الحلول يبرز الآتي:
1 الاستفادة من طبقات السيولة المتراكمة مصرفياً لدى البنوك المحلية، والتي شهدت تزايداً مستمراً وتحديداً منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008، وما ترتب عليها من تزايد المخاطر الائتمانية بالأسواق الخارجية وتباطؤ النمو محلياً.
2 التغذية المستمرة لحركة توفير مصادر تمويل متنوعة، وتشمل الاستمرار في استقطاب الودائع المصرفية بأنواعها (جارية، توفير، ثابتة)، باعتبارها مصدر التمويل الرئيسي للبنوك الكويتية، غير المرتبط بحقوق الملكية، وأثناء ذلك لن تمانع البنوك المتنافسة في دائرة زيادة حصتها السوقية من التمويلات التنموية المرتقبة من منح تسعير أعلى للودائع، بمعدلات قد تتجاوز سقف سعر الخصم، وذلك حسب الحاجة، ومحدد استقرار الأموال المستهدفة.
3 الاقتراض، من خلال إصدار سندات وصكوك وغيرها من أدوات دين تحقق التوازن المطلوب، فرغم أن التمويلات المطلوب تغطيتها بالدينار، وعدم السماح رقابياً بتحويل قروض الدولار لدينار والعكس صحيح، وينسحب ذلك على الودائع، إلا أنه يمكن للبنوك الكويتية توظيف قروضها الدولارية في تغطية جزء من السيولة الائتمانية الموجهة لاستيراد معدات، وغيرها من الاحتياجات التنفيذية للمشاريع الكبرى، فضلاً عن امتصاصها في توفير قروض الأشخاص والشركات التقليدية بغرض الاستيراد.
4 لا يُعدّ سراً أن 7 بنوك أصدرت منذ بداية 2025 سندات وصكوكاً معزّزة للشريحة الأولى ضمن الشريحة الثانية من رأسمالها، بقيمة إجمالية بلغت نحو 6.4 مليار دولار بما يعادل نحو 1.8 مليار دينار، مع توقع مواصلة اللجوء للأسواق العالمية.
وهنا قد يلفت المتخصصون إلى أن هذه السيولة غالية التكلفة ما يعني أنها لن تضخ في إقراض العملاء أو المشاريع المرتقبة، وتأتي ضمن تحركات البنوك لتعزيز الموارد الذاتية، وأهمها رأس المال والاحتياطيات والأرباح المحتجزة، وبالطبع هذا الاعتبار في محله لكن الخطوة تبقى من معزّزات متانة الملاءة المالية للبنوك.
5 حسب وكالات التصنيف العالمية، تتمتّع المصارف الكويتية بإدارة قوية للسياسة النقدية، ويتجلّى ذلك في التنظيم الحصيف للنظام المصرفي من جانب بنك الكويت المركزي، ومعلوم أنه منذ أزمة 2008 اتبع «المركزي» نهجاً رقابياً متشدداً، دفع البنوك من خلاله إلى «شد الحزام» لمواجهة التحديات غير المرئية في الأسواق، وبعد أن أثبتت التجربة نجاعتها قد يكون مقبولاً تخفيف بعض الشروط المحددة لنسب السيولة، ما يعطي البنوك مساحة إضافية لتوسيع حيز تمويلاتها.
6 تظهر نتائج البنوك الكويتية في الربع الثاني أن القطاع يواصل أداءه المتسق على مستوى الربحية وإدارة التكاليف وجودة الأصول وهو الأداء المتوقع للربع الثالث الذي شارف قطار إعلان نتائجه على الانطلاق قريباً.
7 دوران الأموال، فكما تقرض البنوك السيولة تحتفظ بجزء كبير منها على أنظمتها، ما يزيد قدرتها على الاقتراض، فعلى سبيل المثال عندما يقترض العميل مليون دينار لشراء عقار، يكون بالفعل سحبه من البنك لكن على الصعيد الآخر البائع مرشح لرد المبلغ نفسه أو الجزء الأكبر منه إلى النظام المصرفي مجدداً.
8 دوران الأموال يشمل أيضاً تحصيل أقساط القروض، ما يعزّز مستويات السيولة باستمرار.
9 تنفيذ المشاريع التنموية على مراحل زمنية، ومن ثم يكون توفير التمويل بالتزامن.
تجربة بنوك الكويت مختلفة عن السعودية
يعتقد البعض أن البنوك الكويتية تسير على درب البنوك السعودية، في التوجه للأسواق العالمية بالقوة والحاجة نفسها، لسد فجوة النمو بين الودائع والقروض المتصاعدة، وما يترتب عليها من حاجة لتعزيز السيولة، لكن من الناحية العملية هذه المقاربة تفتقد لأساسياتها الدقيقة.
فمن ناحية، جاء نمو الائتمان بالسعودية السنوات الأخيرة بمعدلات ذات رقم مزدوج عند مقارنته بـ 2019، بعدما تحول النمو في الإقراض الذي كان معظمه من جانب الأفراد، إلى رؤية المملكة 2030، والنمو القوي للاقتصاد غير النفطي، ما شكّل صدمة سيولة للبنوك السعودية، جعلتها في حاجة لمواصلة التمويل من الأسواق العالمية.
لكن كويتياً، هذه الضغوط غير موجودة بالحدة نفسها، فإذا كان هناك تشابه في تجربة التحول للنمو ائتمانياً من الأفراد إلى المشاريع الكبرى، لا يمكن تغافل اعتبار أن الحكومة السعودية سحبت معدلات كبيرة من السيولة المصرفية السنوات الماضية ضمن خططها لتمويل إستراتيجيتها الطموحة للتنمية، والتي ضمت طرح عشرات المشاريع الكبرى والمتوسط والصغيرة في المملكة دفعة واحدة، أما محلياً فمعظم الظن أن وتيرة الطرح التنموي ستكون مختلفة كماً وكيفاً، مثلما جاءت إصدارات الدّين العام محلياً.
57.76 مليار دينار ودائع ببنوك الكويت
كشفت بيانات بنك الكويت المركزي، ارتفاع الودائع لدى البنوك المحلية أول 8 أشهر 2025، بنحو 3.946 مليار دينار
(+ 7.33 %)، لتقفز إلى 57.76 مليار في أغسطس الماضي، مقارنة بـ 53.82 مليار في ديسمبر 2024.
كما نمت الودائع على أساس سنوي 3.3 % أي 1.734 مليار، بعد أن كانت 51.57 مليار، في حين صعدت 1.94 % على أساس شهري، لتشكل 1.104 مليار خلال أغسطس.
وجاء معظم ارتفاعات الودائع، بسبب الزيادة الكبيرة التي سجلها القطاع الخاص، حيث نمت ودائعه 7.3 % أي بنحو 3.03 مليار إلى 44.66 مليار ، كما زادت 0.6 % (270 مليوناً) على أساس شهري.
أما بالنسبة لودائع المؤسسات العامة، فقفزت 20.3 % وبنحو 1.447 مليار لترتفع من 7.11 مليار إلى 8.557 مليار، فيما زادت على أساس شهري 11.6 % أي بـ 889.3 مليون، مقارنة مع 7.668 مليار في يوليو.
المصدر: الراي