أكد الكاتب والسياسي المغربي محمد الأشعري أن المشهد السياسي المغربي يخضع لـ”ترتيب سياسي” مسبق يسبق الاستحقاقات الانتخابية، ويحول صناديق الاقتراع من أداة حاسمة لإفراز أغلبية حاكمة إلى مجرد آلية “مساعدة” لإضفاء الشرعية على خارطة سياسية تم إعدادها مسبقا.
وأوضح الأشعري، خلال مداخلته في ندوة نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، أن الغاية الجوهرية للعملية الانتخابية في الديمقراطيات العريقة تتمثل في فرز أغلبية سياسية واضحة لتدبير الشأن العام، وفي حال تعذر ذلك، تدخل القوى السياسية في مفاوضات عسيرة لتشكيل حكومات ائتلافية، كما هو الحال في التجربة الألمانية، وقد تلجأ إلى إعادة الانتخابات إذا استعصى التوافق، على حد قوله.
واعتبر، وفقا لما أورده المصدر ذاته، أن المغرب ابتكر نموذجا خاصا يتجاوز هذه القاعدة، حيث لا تكون لإرادة الناخبين الكلمة الفصل في تحديد هوية الحكومة المقبلة.
واعتبر الأشعري أن ما أسماه بـ”الترتيب السياسي” أصبح قاعدة ثابتة وعنصرا هيكليا في تدبير نتائج الانتخابات بالمغرب، مشيرا إلى أن هذه الآلية لم تكن حكرا على مرحلة معينة، بل شملت تجارب مختلفة بما في ذلك حكومة التناوب، كما يرى أن هذا النهج، الذي يعتمد على تحديد “التوليفة” الحكومية بمعزل عن التوازنات التي تفرزها صناديق الاقتراع، يمثل “حجر الزاوية” في فهم آليات اشتغال النظام السياسي المغربي.
واستشهد الأشعري بواقعة دالة عايشها شخصيا مع السياسي الراحل عبد الواحد الراضي، الذي شغل منصب وزير العدل في حكومة عباس الفاسي بعد انتخابات 2007. وكشف كيف تم إبلاغ الراضي بعد فترة من توليه المنصب بأنه لم يعد وزيرا للعدل، وعُرضت عليه كبديل وزارة العلاقات مع البرلمان، في خطوة فسرها الأشعري آنذاك بأنها تجسيد لهذا “الترتيب” الفوقي الذي لا يخضع لمنطق النتائج الانتخابية أو التوازنات الحزبية.
وخلص الأشعري إلى أن استمرار هذه المقاربة في تدبير المشهد السياسي يثير تساؤلات عميقة حول جدوى الانتخابات، خاصة في ظل استمرار تحديات بنيوية كبرى، مثل تزاوج السلطة بالثروة، وتفشي الفساد والصفقات المشبوهة، وتنامي الظلم الاجتماعي، وهي ملفات فشلت المؤسسات الدستورية في معالجتها.
وشدد على أن هذا “الترتيب المسبق” يقوض ثقة المواطنين في العملية الديمقراطية ويجعل صوتهم غير قادر على إحداث التغيير المنشود، داعيا إلى ضرورة فتح نقاش سياسي عمومي حول هذه الآلية وتأثيرها على مستقبل الديمقراطية في البلاد.
المصدر: العمق المغربي