بعد انطلاقة مثالية وضعت المنتخب الوطني السوداني لكرة القدم في صدارة مجموعته خلال مستهل تصفيات كأس العالم 2026، شهد “صقور الجديان” تراجعًا حادًا ومفاجئًا بدّد آمال الجماهير التي علّقت على الفريق حلمًا طال انتظاره..
التغيير الخرطوم
في ظل الظروف القاسية التي فرضتها الحرب، حيث النزوح والدمار والقلق اليومي، لم تكن كرة القدم مجرد رياضة بالنسبة للسودانيين، بل تحولت إلى رمز للأمل والوحدة. كان الجمهور يعيش حالة استثنائية من التفاؤل والاعتقاد بأن التأهل إلى المونديال قد يمثل متنفساً وطنياً حقيقياً، ويساهم في توحيد الصفوف وتخفيف الأعباء النفسية الهائلة التي تثقل كاهل الشارع السوداني.
الآمال الكبيرة، التي فاقت مجرد الفوز في مباراة، هي ما جعل التراجع اللاحق أكثر خيبة وألماً.
كان المنتخب هو القشة التي يتمسك بها الجميع لبعث روح الفرح، لكن الواقع الميداني والرياضي سرعان ما قلب هذا الحلم إلى خيبة أمل مُرّة.
التراجع المفاجئ
جاءت نقطة التحول مع التعادل المفاجئ أمام جنوب السودان، تبعتها سلسلة من الخسائر المتتالية التي أضعفت موقف الصقور في جدول الترتيب بشكل كبير، دافعة بآمال التأهل إلى حافة الانهيار شبه الكامل.
التدهور السريع كشف عن خلل فني عميق ناتج عن غياب العديد من اللاعبين الأساسيين، مثل الحارس محمد المصطفى والقائد رمضان عجب.
كما عانى السودانيون من ضعف الدعم الهجومي نتيجة عدم وجود مهاجمين قادرين على سد فراغ هداف الفريق محمد عبدالرحمن الغربال.
زاد هذا من ضعف الخيارات الهجومية؛ بسبب فشل الجهاز الإداري في استدعاء وإقناع محترفين بارزين مثل هاني مختار لاعب نادي ناشفيل الأمريكي للانضمام إلى صفوف المنتخب.
إضافة إلى الفجوات الفنية، أثرت تحديات الإعداد الداخلي والخلل الإداري بشكل مباشر على جاهزية الفريق. فمن جهة، لم تُلقَ اهتماماً كافياً من إدارة المنتخب بعلاج اللاعبين المصابين، مما أثّر في جاهزية الفريق، بينما لم يكن هناك حارس مرمى على مستوى يضمن استقرار الدفاع.
الجاهزية البدنية
ومن جهة أخرى، أدى عدم انتظام الدوري السوداني إلى فقدان اللاعبين للجاهزية البدنية والفنية اللازمة للمنافسة الدولية. كما حرم غياب المباريات على أرض السودان بسبب ظروف الحرب الفريق من الدعم الجماهيري المباشر، الذي كان يُعَوّل عليه لتعزيز الروح والحماسة.
وتفاقمت الأزمة بسبب فشل الدعم المالي والإداري في تقديم الاستقرار المطلوب، حيث تأخرت مستحقات الجهاز الفني بقيادة المدرب جيمس كواسي أبياه قبل مباريات حاسمة ضد السنغال وجنوب السودان، مما أثّر في تركيز وإعداد الصقور.
وعدّد رئيس تحرير صحيفة وموقع الرد كاسل ناصر بابكر الأسباب التي أدت إلى تبخر حلم تأهل المنتخب الوطني السوداني إلى نهائيات كأس العالم 2026، مشيرًا إلى أن ما تحقق، رغم الإخفاق يُعد طفرة مقارنة بالماضي.
وقال بابكر في حديثه لـ«التغيير» الكرة السودانية قبل انطلاق التصفيات لم يكن متوقعًا أن تكون جزءًا من سباق المنافسة على المونديال، وما حققه المنتخب من نتائج إيجابية، وجمعه لـ13 نقطة حتى الآن يُعتبر نقلة نوعية لم نشهدها منذ عقود طويلة.”
وأوضح أن المشكلة الكبرى تكمن في ما أسماه بـ”ثقافة الأمتار الأخيرة”، قائلًا “سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات، نجد أن الفرق السودانية دائمًا تتعثر في الخطوة الأخيرة. المريخ خسر نهائي الكونفدرالية ونصف النهائي أكثر من مرة، والهلال واجه نفس المصير، وكذلك المنتخب الذي وصل إلى نصف نهائي بطولة (الشان) رغم مشاركته بالمنتخب الأول، في حين أن بقية المنتخبات كانت تلعب بالصف الثاني.”
وأشار بابكر إلى أن جذور الأزمة فنية وإدارية في آن واحد، مضيفًا أن مشكلة التأسيس عميقة، لا نملك أكاديميات أو فرق سنية حقيقية، وهو ما يؤدي إلى غياب التكوين البدني والفني والذهني الصحيح للاعب السوداني.”
كما حمّل المسؤولية للإدارة الرياضية قائلًا: “السبب الرئيسي في تقديري إداري، فهناك عدم اهتمام ولا مبالاة. المسؤولون احتفلوا بمجرد التأهل إلى كأس الأمم الإفريقية واكتفوا بذلك، وأهملوا دعم المنتخب في مشوار التصفيات، بل فشلوا حتى في الإيفاء بمستحقات الجهاز الفني واللاعبين، وانشغلوا بالانتخابات أكثر من تحضيرات المنتخب.”
وأضاف “حتى الجوانب اللوجستية لم تكن منضبطة، فبعض الرحلات شهدت تخلف لاعبين بسبب مشاكل الحجز والطيران، كما أن روزنامة المنافسات المحلية لم تكن متناسقة أو داعمة لبرنامج المنتخب الوطني.”
المصدر: صحيفة التغيير