يعيش مجلس مقاطعة الحي الحسني بالدار البيضاء على وقع أزمة داخلية غير مسبوقة، كشفت عن هشاشة التحالفات السياسية التي تقوم عليها أغلبية المجالس المنتخبة، وضعف الانسجام بين مكوناتها.

فبعد سلسلة من التوترات والخلافات التي ظلت تطفو إلى السطح لأسابيع، كاد الوضع أن ينفجر بشكل نهائي لولا تدخل رئيس مجلس عمالة الدار البيضاء، عبد القادر بودراع، إلى جانب رئيس مقاطعة الحي الحسني الطاهر اليوسفي، اللذين تمكنا من تهدئة الأجواء مؤقتا وإعادة بعض التوازن إلى مكونات المجلس.

وتعود بداية الأزمة إلى خلاف بسيط في الظاهر، لكنه تحول إلى صراع سياسي وإداري حاد، بعدما رفض النائب الأول لرئيس المقاطعة، محمد الركاني عن حزب الاستقلال، تسليم مفتاح مكتب إداري بالنفوذ الترابي لملحقة ليساسفة إلى النائب الرابع مصطفى أفعداس المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار.

هذا السلوك، الذي اعتبره العديد من المتتبعين “غير مبرر” و”صغيرا أمام جسامة المسؤولية”، أثار موجة استغراب داخل الأوساط السياسية والإدارية بالمنطقة، خصوصا وأن الخلاف تمحور حول أمر إداري بسيط، لكنه في العمق يعكس تصدعا عميقا في العلاقة بين مكونات الأغلبية داخل المجلس.

وأوضحت مصادر مطلعة لجريدة “” أن الخلاف حول المفتاح لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، مشيرة إلى أن السبب الحقيقي وراء التوتر هو رفض الفريق الاستقلالي بمقاطعة الحي الحسني المصادقة على جزء من الميزانية المخصصة لقطاع المساحات الخضراء، وهو القطاع الذي يدخل ضمن اختصاصات النائب الرابع مصطفى أفعداس.

وأضافت المصادر أن هذا الأخير شعر بمحاولات لتهميشه والتضييق على صلاحياته، خصوصا في ما يتعلق بتدبير مشاريع تهم تهيئة وصيانة المساحات الخضراء بعدد من مناطق المقاطعة، وهو ما اعتبره “استهدافا سياسيا” يهدف إلى إضعاف موقعه داخل المكتب المسير.

وأكدت المصادر ذاتها أن تفاقم الأزمة دفع النائب الرابع إلى التفكير جديا في تقديم استقالته من المكتب، احتجاجا على ما وصفه بـ”التحكم في تدبير القطاعات المفوضة له” و”غياب روح التعاون بين أعضاء المكتب”.

من جهته، قال الطاهر اليوسفي، رئيس مقاطعة الحي الحسني، إن الأجواء داخل المجلس “عادت إلى طبيعتها” بعد فترة من التوتر والخلافات التي كادت تعصف بانسجام المكتب المسير، مؤكدا أن الأزمة التي نشبت بين النائبين الأول والرابع “تم احتواؤها بفضل تدخل عدد من الأطراف التي تحركت في الخفاء والعلن لتقريب وجهات النظر وإعادة اللحمة بين مكونات المجلس”.

وأوضح اليوسفي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن وساطات متعددة ساهمت في تهدئة الأوضاع، من بينها تدخل عدد من المنتخبين والفاعلين السياسيين المحليين الذين عملوا على “تغليب منطق المصلحة العامة على الحسابات الشخصية أو الحزبية الضيقة”، مشددا على أن الهدف الأساس هو “ضمان استمرار المرفق العمومي في أداء مهامه بشكل عادي دون أن يتأثر بالخلافات الداخلية”.

وأضاف رئيس المقاطعة أن النائب الرابع، الذي كان قد لوح بالاستقالة من المكتب، “تراجع عن قراره بعد جلسات حوار صريحة ومسؤولة شارك فيها عدد من أعضاء المجلس الذين أبدوا حرصهم على الحفاظ على وحدة الصف وتماسك المؤسسة المنتخبة”.

وتابع اليوسفي قائلا: “يمكن القول اليوم إن الصراعات السياسية التي عاشها المجلس خلال الأسابيع الماضية أصبحت من الماضي، وقد استوعب الجميع أن الاختلاف في الرأي لا يجب أن يتحول إلى صراع شخصي أو انقسام داخلي”، مؤكدا أن المرحلة المقبلة “ستركز على مواصلة العمل الميداني والإنصات لانشغالات المواطنين، لأن ذلك هو جوهر العمل الجماعي”.

وختم رئيس مقاطعة الحي الحسني تصريحه بالتأكيد على أن “المكتب المسير يستعيد توازنه بثبات، وأن جميع الأعضاء مطالبون بتوحيد الجهود لإنجاح المشاريع التنموية المبرمجة، بعيدا عن أي توتر أو تجاذب سياسي لا يخدم المصلحة العامة”.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.