أمد/ بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
أصدرت كتاباً بعنوان “زهرات في قلب الجحيم” (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
أواكب حرائر الدامون وأصغي لآهاتهن وأحلامهن بالحريّة، وأدوّن بعضاً من معاناتهن.
أعمل على زيارة جميع الأسيرات، كما فعلت قبل السابع من أكتوبر وبعده؛
حين أغادر بوابة الدامون أتصل مباشرة بأهالي من التقيتهنّ، وأوصل بعدها رسائل باقي الأسيرات؛
أحاول قدر استطاعتي إيصال صوتهن لكلّ بقاع العالم عبر “التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين” وناشطين أوروبيين.
عقّبت ناريمان نصار (أخت الأسيرة أماني): “أختي وقلبي وروحي وضي عيوني أماني… يا من لك من اسمك نصيب… أعلم أن السجن صعب، وأن القيد قاس، لكنني على يقين أنك قوية بقوة اللّه، ومعية اللّه، ثم بفضل رضى والديك وزوجك، ثم بفضل دعوات أحبابك لك، الحرية قادمة لا محالة بإذن اللّه تعالى.
فك اللّه بالعز قيدك وقيد جميع الأسرى والأسيرات، وأعادك اللّه إلى أحضاننا حرة، أبيّة، قويّة، شامخة، عزيزة، مُكرمة كما أنت دوما… وما ذلك على اللّه بعزيز.
من زيارة المحامي حسن عبادي لأختي أماني، والذي أخذ على عاتقه الشخصي زيارة ومتابعة الأسرى والأسيرات دون مقابل، يبتغي وجه اللّه، كل الشكر والاحترام لك أستاذ، جعله اللّه في ميزان حسناتك”.
وعقّبت الكاتبة والإعلامية باسلة الصبيحي من برلين: “لكل واحدة منهن تمثال في البلاد هنّ أسطورة الزمن كل اللغات تنحني بما تحمل الأبجدية من حروف ومعاني أمام هذه الهامات. لك عزيزي كل الود ونرجو من الله أن تبقى بهذا القدر من العطاء”.
وعقّبت الشاعرة مريم الصيفي (الأردن): “حفظك الله أخي حسن وبارك في عمرك وعافيتك وأحبابك جميعا. وجزاك الله خيرا عن مواقفك المشرفة تجاه أخواتنا وإخوتنا في السجون الإسرائيلية. وعسى أن يفرج الله كربهم وكربهن جميعا وإن الله على كل شيء قدير …”.
وعقبت الصديقة فاطمة جوهر (الأردن): “منذ بدأت أتابع ما يكتب الأستاذ حسن عن وضع الأسيرات في سجن الدامون استنتجت أن جميع الأسيرات لهن وضع خاص بين عائلاتهن فهن الفاعلات الغاليات القائدات المحبوبات من الصغير والكبير، سيرتهَن عطره في المجتمع، عند الأهل، وأهل الزوج، جميعهن يتميزن بالعطاء والبذل والإيثار. أسال الله أن تكون الخيرية فيكن شفيعة لكُنّ، وأن يفرج الله كربكن وتخرجن عاجلا غير آجل وللأستاذ المحامي الفاضل الذي كشف لنا وللعالم الأوضاع المأساوية كل الشكر والتقدير والإكبار وجعل الله ما يقوم به من جهد في ميزان حسناته”.
وعقب مصعب مليطات (زوج الأسيرة أسيل): “الحرية قريبة يا سنديانتي العالية. شكرا أستاذ حسن عبادي لكل ما قدمته وبتقدمه عشان الأسيرات والأسرى، أنت اليوم طاقتهم للحرية ومتنفسهم وحلقة وصلهم مع اهاليهم واحبتهم”.
وعقبت إيناس حماد (أخت الأسيرة أسيل): “أستاذ حسن أنت أرشيف ينقل معاناة الأسيرات والأسرى شكرا على صدق الأمانة والرسالة شكرا لجهدك وحضورك الدائم”.
وعقب الشاعر نسيم خطاطبة: “الله بفك أسرها وأسر الجميع دائما أنت يا صديقي المتنفس الجميل للأسرى وأهاليهم دمت بخير يا صديقي”.
وعقب جميل عثمان: “بوركت أنت المتنفس الوحيد لأهالي الأسرى والأسيرات الماجدات فك الله قيدهن أصعب وجع في الدنيا اعتقال الحرائر”.
وعقّب الصديق غالب مزيد (والد الأسيرة المحرّرة ديانا): “السلام عليكم ورحمه الله وبركاته كيفك أستاذ حسن هاي البنت من بلدي عنبتا طولكرم أسيل حماد التقت فيها بنتي ديانا لما كانت معتقلة الحمد لله أنت وكما تعلم بنتي أجاها إفراج والحمد لله عقبال عند أسيل حماد وباقي الأسرى والأسيرات يا رب يا رب عاجلا غير آجل إن شاء الله ربنا كبير الحريه لجميع الأسرى والاسيرات البواسل لا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر سلام خاص لكل الاسيرات ولك أيضا أستاذ حسن على ما تقوم به من عمل إنساني رائع والاطمئنان على أسيراتنا البواسل كل الاحترام والتقدير لك أستاذ حسن يا غالي وجزاك الله خير الجزاء على هذا الواجب الإنساني العظيم”.
“الأكل مخسوف خسف”
زرت صباح اليوم الثلاثاء 22.07.2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب، للمرّة الثالثة هذا الأسبوع، لألتقي بالأسيرة أماني محمود رضوان النجار (مواليد 01.01.1984) من مخيّم الفوّار/ الخليل، (أوّل امرأة تعتقل من المخيم)، خرّيجة لغة إنجليزية في جامعة الخليل، معلمة بمدرسة حمد الله الخطيب الأساسية المختلطة في بلدة يطا، أم لسلسبيل، محمد، محمود، حمزة، رهف.
أوصلتها سلامات ورسائل أولادها وأختها ناريمان والأهل؛ ناريمان بعتبرها أم، مش بس أخت، وان شالله بنفرح بابنها عبيدة.
انفرجت أساريرها حين خبّرتها “زوجك زرع لك الياسمينة متل ما طلبت”.
اعتقلوني يوم 26.02.25، الساعة الواحدة ظهراً، استدعوني بالتليفون، حاجز زيف، كريات أربع، المسكوبية 22 يوم، الشارون ليلة، والدامون.
سلّم على أمي وأبوي كثير السلام، وبطلب رضاهم.
أماني بغرفة 4؛ برفقة سامية جواعدة، سهام/ غزة، ولاء الحوتري، شاتيلا، إباء الأغبر، ميسون مشارقة.
الكلبشات معلّمات ع الإيدين كل الوقت، الأشنابات مسكّرة وفي الغرف حساسيّة على الجلد، بُقع كبيرة وحبّ على جسم البنات، وباء منتشر، الأكل من 4 أيام مخسوف خسف، اليوم نصّ معلقة لبنة لكل صبيّة، الفورة مقلّصة (خلالها توزيع أكل وعيادة وحمّام، بطلّعونا وبرجعونا مكلبشات، وهذا محسوب من وقت الفورة).
طلبت إيصال سلامات ورسائل لأهالي الأسيرات فداء عساف، سيرين، وانتصار.
في الدامون 42 أسيرة، اكتظاظ بعد ما أخذوا 3 غرف (11،12،13) ودخّلوا يهوديات.
طلبت إيصال سلاماتها لخواتها الستّة وجيزانهن وأولادهن، وزوجة أخيها (ربنا يقوّمها بالسلامة)، وزوجها “تحية كبيرة لزوجي، أبو العيال، جمل ياما حمل، البعد بقرّب”.
وأولادها؛ سوسو/ سلسبيل (طالبة جامعية، إنجليزي وفرنسي، ست البيت ووردة الدار)، محمد (جامعي، نجارة وتصميم داخلي)، محمود (طالع ع التوجيهي، كل القسم مكيّف على نهفاته)، حمزة (ربنا يحميه، ظلّيتك تعمل صاجيّة ع الحطب ولّا لا؟ خلّه يعزمك عليها)، ورهف (بتمنى اقتنعت إنّي إمها).
سلّم على حماتي وسلفاتي وسلافي وبنات حماي، الدار مفتوحة إلهم، موجودة ولّا مش موجودة.
وسلّم على أهلي والحبايب.
والأمانة سلّم على معلمات المدرسة، والمديرة أم همام والكادر أجمعين.
“ليش أنا محبوسة؟”
بعد انتهاء زيارتي لأماني، أطلّت الأسيرة أسيل عبد الكريم محمود حماد (مواليد 02.06.1991) من بيت فوريك/ نابلس، أم لإيلياء.
أوصلتها بداية سلامات ابنتها (وأنا يا ماما صرت ما بغلب كثير، ههه شوي بغلب، وبحب أساعد تاتا سعاد وأجلي وأساعد حالي، وبدي اعرف ازا شعرك طول ولا لا؟ بدي احكيلك انو شعري ضل طويل وصرت أربط شعري أنا لحالي، وأتحمم لحالي منيح منيح)، وزوجها مصعب (الخوف ما زار العصب، ما تعبت الأعصاب) وأهلها، تنهّدت وقالت: “كل ما أنام بتذكر إيلياء (7 سنوات) بتعيّط بالسيارة لمّا أخذوني، خلّي مصعب يدير باله عليها من الأشياء اللي أنا بخاف منها”، لمّا انحبست اتأكّدت أني كثير بحبه”.
اعتقلوني يوم 03.06.25، المغربيات وإحنا مروحين من عند أهي بعنبتا، نزلوني من السيارة، حكى لي ضابط المخابرات “بدنا نستضيفك عنا”، إيلياء شافت لمّا كلبشوني (شهر ما حكت لمّا شافت كيف اعتقلوا أبوها)، أخذوني لحوارة، زنزانة تحت الأرض، كرسي صبّة باطون، كان فيها جرذون كبير، زنزانة بتوسع فرشة وبس، مليانة زبالة وصراصير، وسخ ع الأرض والحيطان، تحت الشرشف كان كاكا رطب، ثاني يوم ع الشارون ليلة، وبعدها ع الدامون.
صادروا القميص الحلو اللي جابته إمي هديّة على عيد ميلادي، والحذاء الغالي… والبنطلون.
خبّر مصعب وإيلياء أني بحبهم كثير ومشتاقة. وأمي: بحبها كثير وما تخاف عليّ وتدير بالها ع حالها، وأخوتي مراد ومهند وحمد (أسفه، خرّبت عليك السفر، مش قصدي) ومحمود (بدّي عطر من الإمارات)، وإيناس (بحبك وشكراً أنك أختي)، وجفرا وريف وبيروت (تغنّي للولو “يمّا الجمال”)، ومنير (جوز إيناس) وسعاد وسهى.
خبّرتها وضع شتلات العنب والمشتل فبدأت بنحيب مرير…
سلّم على رماء وحنان (سلفاتي) وخلّيهن يطبخوا للولو طبخات زاكية، وماجد وساجد (إخوة مصعب)، وصاحباتي، ميسّر وعرين وأحلام والجميع.
أسيل بغرفة 5؛ برفقة ربى دار ناصر، شيرين الحمامرة، إيمان شوامرة، إسلام شولي (عيد ميلاد سعد يوم الخميس، عايد عليه مني ومن إمي دلال) لينا وزوز، ميسر هديبات، وشيماء أبو غاي (أوصلتها سلامات أمير ووالدته من أمريكا).
عُدنا للمشتل (مشتل جذور/ بيت فوريك) وشتلات عنب البيروتي والأسود الخليلي، وسهى (أسيل بتقول ديروا بالكم على المشتل واستفيدوا منه، وتواصلوا مع حاكمة).
فكرك انقطع راتب مصعب؟ خلّيه يتلحلح ويسجلني بالهيئة، ويتبّع المحكمة. ليش أنا محبوسة؟
الوضع بالدامون صعب، بسبب الرطوبة والوضع صار حَبّ على أجسام الأسيرات، الفورات على مزاج السجّان، عقوبات ع الطالع والنازل، إذا بنضحك بعاقبونا، وإذا بنحكي بصوت عالي بعاقبونا، وإذا بنسكت ليش ساكتات؟
بنات الدامون مناح، وما يخافوا علينا، قويّات.
لكما عزيزتيَّ أماني وأسيل أحلى التحيّات، والحريّة لكما ولجميع أسرى الحريّة.
الدامون/ حيفا تموز 2025