كتب : محمود عبد الرحمن



05:35 م


08/10/2025


أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم منح جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025 إلى كل من سوسومو كيتاجاوا من جامعة كيوتو في اليابان، وريتشارد روبسون من جامعة ملبورن في أستراليا، وعمر ياغي من جامعة كاليفورنيا في بيركلي بالولايات المتحدة الأمريكية، تقديرا لإسهامهم في تطوير الأطر المعدنية العضوية، تلك الهياكل الجزيئية الدقيقة التي تعد من أكثر الابتكارات العلمية وعدًا في مجال الكيمياء الحديثة.

ما هو الاختراع الذي استحق جائزة نوبل هذا العام؟

وتمثل اكتشاف العلماء في ابتكار هياكل جزيئية جديدة تعرف باسم “الأطر المعدنية العضوية” (MOFs)، تمتاز بمساحات داخلية شاسعة تسمح بمرور الغازات والمواد الكيميائية عبرها.

هذه الخصائص جعلت من الممكن استخدامها في تطبيقات عملية متعددة مثل جمع المياه من هواء الصحراء، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون، وتخزين الغازات السامة، إضافة إلى دورها في تحفيز التفاعلات الكيميائية.

وتتيح هذه المواد للعلماء تصميم بلورات تحتوي على تجاويف ضخمة تعمل كخزائن دقيقة للغازات أو المحفزات الكيميائية، إذ تتكون من أيونات معدنية وجزيئات عضوية طويلة تشكل بنية بلورية قابلة للتعديل وفقًا للاحتياجات العلمية والصناعية.

ويقول هاينر لينكه، رئيس لجنة نوبل للكيمياء، إن الأطر المعدنية العضوية تمتلك إمكانات هائلة، وتفتح الباب أمام مواد مخصصة بوظائف غير مسبوقة”.

بداية الاكتشاف

تعود جذور هذا الإنجاز إلى عام 1989، عندما بدأ ريتشارد روبسون في اختبار فكرة جديدة تعتمد على استخدام الخصائص الذرية للمعادن.

جمع روبسون أيونات النحاس الموجبة مع جزيئات رباعية الأذرع لتشكيل بلورة واسعة مليئة بالتجاويف، ورغم هشاشتها في ذلك الوقت، فقد مهدت الطريق لفكرة بناء هياكل بلورية متكررة ذات تجاويف دقيقة.

وفي الفترة ما بين عامي 1992 و2003، جاء دور كل من سوسومو كيتاجاوا وعمر ياغي لترسيخ الأساس العلمي لهذا المجال، إذ أظهر كيتاجاوا أن الغازات يمكن أن تتدفق داخل هذه الهياكل، في حين نجح ياغي في ابتكار أطر معدنية عضوية مستقرة يمكن تعديلها لتأدية وظائف متعددة بحسب الحاجة.

وبمرور السنوات، توسع نطاق البحث ليشمل آلاف الأنواع من هذه الأطر، التي أصبحت تُستخدم في حل مشكلات بيئية وصناعية كبرى، مثل تنقية المياه، وفصل الملوثات الكيميائية، والتقاط ثاني أكسيد الكربون من الجو، وحتى جمع المياه من الهواء الجاف.

ما هي الأطر المعدنية العضوية؟

الأطر المعدنية العضوية هي مواد متقدمة عالية التنظيم قادرة على أداء مهام معقدة عادة ما تتطلب أجهزة ضخمة أو آليات معقدة، مثل التقاط الغازات وتخزينها وتحفيز التفاعلات الكيميائية، كما يمكنها تعزيز عملية التمثيل الضوئي عند دمجها بمواد نباتية عضوية.

تتميز هذه الأطر ببنية بلورية نانوية تشبه القفص، تمنحها مسامية فريدة ومساحة سطح هائلة تتجاوز 7000 متر مربع للجرام الواحد، مع إمكانية ضبط تركيبها الكيميائي بدقة وفقا للغازات أو المواد التي يراد امتصاصها.

تطبيقات تمتد إلى الفضاء

لا يقتصر دور الأطر المعدنية العضوية على الأرض فحسب، بل يمتد إلى تطبيقات فضائية واعدة، إذ تقلل هذه المواد الاعتماد على الأجهزة الميكانيكية المعقدة في المهمات طويلة الأمد، إذ يمكن استخدامها لتخزين الغازات مثل الهيدروجين والميثان، ما يجعلها خيارا مثاليا لتقليل تأثير الإشعاع النيوتروني وحماية المركبات الفضائية ورواد الفضاء بمواد أخف وزنًا وأكثر كفاءة.

ويهدف أحد المشاريع البحثية في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) إلى تصنيع الأطر المعدنية العضوية محليا واختبار استقرارها في بيئة الفضاء تحت ظروف مثل الفراغ والأشعة الكونية.

ويعمل العلماء على تطوير مواد هلامية قابلة للطباعة ثلاثية الأبعاد محملة بهذه الأطر، لتسهيل استخدامها في بناء هياكل فضائية قوية ومتجانسة.

ويتجه الباحثونفي في المرحلة المقبلة، إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتصميم أطر معدنية عضوية مخصصة لمهام فضائية معينة.

وتقوم الفكرة على تحليل أكثر من 90 ألف تركيبة جزيئية بهدف التنبؤ بالمواد المثالية التي يمكنها تحمّل بيئة الفضاء وتقديم وظائف محسّنة.

بهذا التطور، تجمع الأطر المعدنية العضوية بين الابتكار الكيميائي والرؤية المستقبلية، لتصبح واحدة من أهم الاكتشافات التي لا تغير فقط مستقبل الكيمياء، بل قد تفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من استكشاف الفضاء وتطوير المواد المتقدمة.

شاركها.