ثمة فرصة لانتهاء هذه المأساة. والقبول بمبادرة ترامب خطوة أولى، رغم أن الخطوات اللاحقة ليست وردية.
نجح ترامب في جعل مبادرته مقترحاً يجمع عليه كل الأطراف الفاعلة والمؤثر في الحرب الدائرة على غزة، فقبل الإعلان عن المبادرة قام بالاجتماع بممثلين عن الدول كافة في الإقليم خاصة تلك التي «تمون» على حماس وضمن موافقتها الأولية على الخطوط العريضة لما سيطرحه ثم التقى نتنياهو وأتاح له مساحة لتغيير بعض بنودها حتى لا تتعارض كثيراً مع الورقة الإسرائيلية.
وبقدر كون المقترح مقترح ترامب إلا أنه بات في ليلة وضحاها الورقة التي يوافق عليها الجميع وليس على الطرف الفلسطيني المعني إلا أن يوافق.
بالطبع بات واضحاً لحماس أن الفاعلين في الإقليم خاصة حلفاء حماس في الدوحة وأنقرة يتوقعون منها أن توافق، وفي حال عدم موافقتها فإنهم ملزمون وفق تفاهماتهم مع ترامب بأخذ موقف. لكن كان واضحاً أنهم ضمنوا لترامب موافقة حماس مسبقاً.
رد حماس ركز على البند المتعلق بتبادل الأسرى تاركاً الباب موارباً للتفاوض في القضايا الأخرى.
وأمام الترحيب الأميركي فيما اعتبر موافقة حماس بشكل كامل على المقترح فإن حماس بدورها لا بد ظنت أنها بذلك نجت من الضغط وصار بوسعها أن تقول إنها قامت بما يجب عليها القيام به.
وأظن أن مثل هذا الفهم بحاجة للكثير من النقاش. مثلاً بعد موافقتها خرج قادتها على الفضائيات يغردون ويصدحون فيما يمكن اعتباره استدراكات، وهي بالطبع ليست إلا لامتصاص ردة فعل قواعد «التسحيج» التي كانت تنظر للمبادرة على أنها خيانة وحتى موافقة السلطة وترحيبها بها انطلاقاً من عمل أي شيء لحقن دماء شعبنا اعتبرت ركوعاً، لذلك كان على هواة الفضائيات من قيادة حماس أن يخرجوا ويوضحوا أن الأمر لا يعني تفريطاً بالحقوق الوطنية ولا استسلاماً للمطالب الإسرائيلية، كما تم التشديد على أن هذا لا يعني استثناء حماس من ترتيبات البيت الفلسطيني خاصة حين تمت الإشارة في الرد الذي نشره ترامب على صفحته الشخصية من خلال الحديث عن توافق وطني ولجنة تكنوقراط باختيار وطني.
عموماً واضح أن على حماس أن تفهم أنها أيضاً لن يكون لها قرار ولا موقف ولا مشاركة في المراحل القادمة، وأن ما جرى لم يجلب لنا إلا شكلاً مكثفاً من الوصاية التي صار القبول بها مطلباً وطنياً لوقف الإبادة والتهجير، وهذا ليس ذنب الناس ولا ذنبنا نحن الذين نبحث عن نجاة من نحب والحفاظ على ما تبقى من أرض الآباء والأجداد، بل ذنب طرفين أساسيين؛ إسرائيل التي لا هم لها إلا إبادتنا، وحماس بحروبها ومغامراتها ومواقفها.
أيضاً قد يقول قائل: «مش وقته»، على اعتبار فرحتنا بما جرى، ولكن يحق لنا أن نسأل بقليل من الوجع: ألم يكن من الممكن التوصل لاتفاق أفضل في كانون الأول من العام 2023؟
لماذا كان الانتظار والمكابرة والعناد الأجوف حتى نصل إلى هذا الوضع ويصبح أمامنا خياران فقط: إما القبول بما يمليه ترامب (والحقيقة أن حماس لم تقبل بل «خضعت» هذا لا يعجب الكثيرين لكنها الحقيقة، وبين التهجير) كان يمكن لنا أن ننقذ البلاد والعباد ربما.
كان يمكن لحماس أن تكون أكثر حنكة وتحرج ترامب وتربك الإقليم وتنال دفء البيت الفلسطيني الذي تدفع بنفسها خارجه بفعل تحالفاتها، لو قالت في الرسالة لترامب إننا نوافق لكن استدراكنا الوحيد هو أن أي ترتيبات حول مستقبل غزة وهو الحكم في غزة حتى وجود قوة أمنية عربية مؤقتة يجب أن تكون عبر السلطة ونحن نفوض السلطة بالتفاوض حول هذا الأمر.
لكنها للأسف لم تفعل الصواب كما لم تعكس فهماً وطنياً بل فضلت مسايرة ترامب. في المحصلة هذا ما جرى.
كانت حماس تعيب على السلطة مفاوضاتها وتصفها بالعبثية والانهزامية، ولكن من ينظر إلى طريقة تفاوض حماس وتفاوض السلطة يدرك الفرق بين من لديه مشروع وطني كفاحي تحرري جوهره الحفاظ على الأرض وعلى وجود الناس على الأرض وبين من يعتقد «مش مهم شو بصير».  
أيضاً سبق السيف العذل، ولم يعد من جدوى من هذا النقاش، لكن أيضاً يجب دائماً التوقف حول سيرورة الحياة السياسية الفلسطينية منذ انقلاب حماس على الشرعية الوطنية في حزيران 2007 ومآلات ذلك لأن دماء شعبنا لم تكن كافية من أجل اتخاذ موقف حكيم.
عموماً لنرجو أن تتوقف الحرب وأن لا تتعثر بعد المرحلة الأولى، ونعبر إلى نهاية حتمية للإبادة.
وتظل المهمة الأصعب لدى القيادة الفلسطينية النضال السياسي من أجل التخلص
مما جلبته حماس لغزة من وصاية و»احتلال دولي ناعم»، وبالحنكة المعهودة و»العناد الوطني» الذي يعرف عن الرئيس أبو مازن (تتذكرون أنه الوحيد الذي قال لا كبيرة في وجه ترامب) يمكن لنا خوض معركة دبلوماسية أكثر شراسة من أجل تحرير غزة من الويلات التي جلبتها حماس.
نهاية الحرب بداية معركة سياسية جديدة ومهام وطنية جسيمة لبناء ما تدمر وإعادة الحياة التي اغتالتها الإبادة.
يجب وضع خطة وطنية قادرة على الاستجابة للتحديات الجديدة وتنجح في صياغة مواقف وطنية تتحدى كل ما ينتج عن هذه التفاهمات، وهي تحديات ستكون كبيرة لو نجح ترامب في فرض مجلس وصاية على غزة ربما تكون إسرائيل جزءاً منه (لا تستبعدوا شيئاً)، وبدلاً من تدويل الصراع من أجل فرض الحل السلمي الذي ترفضه إسرائيل رغم أنه يشكل انتقاصاً من حقوق شعبنا يصير المطلب تدويل غزة وبالتالي جعل غزة الإسفنجة التي تمتص التطلعات الوطنية الفلسطينية ويتم اقتصار المشروع الوطني عليها، لأن أحد أبرز نتائج الحرب هو تلك المصائر المختلفة والمتباعدة للحالة الوطنية؛ أو بمرارة الحالات الوطنية.

شاركها.