التقي البشير الماحي


المسكوت عنه

التقي البشير الماحي

المفكر أبو القاسم حاج حمد، في تحليله لثورة اللواء الأبيض وطرحها لوحدة وادي النيل، أشار إلى الارتباط العضوي بين السودان ومصر من حيث شكل العلاقة وتوجه السودانيين الدائم نحو مصر وأرجع ذلك إلى كون مصر مركز ثقل ثقافي نتيجة تداخلها مع معظم حضارات العالم فليس من المستغرب أن يتجه السودانيون نحوها. لكنه شدّد أن هذا التواصل لم يكن تبعية بل كان أخذًا للأفكار وصهرها في التربة السودانية.

وظني أن حاج حمد يلمّح هنا بصورة أوسع إلى حركة الإخوان المسلمين ممثلة في د. حسن الترابي الذي عمل على عزلها وإلباسها الزي السوداني وقبلها اليسار السوداني ممثلًا في الحزب الشيوعي، إلى جانب تنظيمات أخرى مثل الضباط الأحرار ودعاة الوحدة مع مصر كتجارب وفدت لنا من مصر.

ويرى أن لمصر دومًا صوتين أو موقفين أحدهما مختطف من الخارج والآخر يمثل الداخل. ولذلك كانت مصر الداخل فرِحة بالمهدي المنتصر لا بالمهدي المنتظر وأراد المهدي ومن بعده خليفته محاربة ذلك الخارج في مصر.

لكن هذا الواقع في ظني قد تغيّر بعد اتفاقية كامب ديفيد التي أصبحت تمثل أساس علاقات مصر بمحيطها العربي ومنذ تلك اللحظة تضاءل دورها الإقليمي وهي الاتفاقية ذاتها التي عجّلت بذهاب حكم الإخوان الذين ظنّوا أن للسيسي التزام ديني قد يمكّنهم من تثبيت أركان حكمهم لكنهم لم يحسنوا الإصغاء إلا ضحي الغد  لبعض الإسلاميين الذين لهم تجارب مع حكم العسكر فالسيسي ابن الدولة العميقة وإن زينت جبهته علامة الصلاة.

من سوء حظ السودانيين أن نجاح ثورتهم جاء في ظرف تاريخي دقيق يتمثل في صراع الموارد وبالأخص الصراع المائي بين مصر وإثيوبيا مع وصول رئيس وزراء تربطه علاقات ممتدة بدول شرق أفريقيا وخاصة إثيوبيا وهذه الدول اعتمدت في سياساتها على الخارج بكل براغماتية لمصالح شعوبها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار نظام منقستو ووجدت في المنظمات الدولية الداعم الأكبر لمشاريعها مقابل الحد من الهجرات غير الشرعية لدول العالم الأول الممول لتلك المنظمات.

اليوم لا يشغل مصر شاغل أكثر من مصالحها المائية. فكامب ديفيد رسمت شكل معظم علاقاتها باستثناء ما يتعلق بالماء ولهذا ليس غريبًا أن نرى جيشًا مصريًا في الصومال بينما امتنعت القاهرة عن إرسال قواتها إلى السعودية.

إن ما يحدد شكل العلاقة بين مصر والسودان اليوم هو نهر النيل ومدى تطابق المواقف بين البلدين حياله. فمصر التي زفّت للنيل الجميلات عرسانًا قربانًا وتضحية، لن تسمح بالتفريط فيه ولو أحرقت دول حوض النيل جميعًا.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.