يأتي مقترح تأسيس “جبهة موحدة لمناهضة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” في المغرب  lمن طرف الدكتور محمد حقيقي نائب رئيس الرابطة العالمية للحقوق والحريات وممثلها بالمغرب في ندوة فاتح أكتوبر بمقر الجمعية المغربية لحقوق الانسان تحت عنوان معاناة قدماء المعتقلين الإسلاميين المفرج عنهم ومطالبهم في الإدماج والرعاية اللاحقة.

شهادات التعذيب وسؤال الإنصاف ومقاربة العدالة “كاستجابة لتشخيص واقعي لإشكالية محورية، تمثلت في فشل نموذج العدالة الانتقالية في تحقيق أهدافه الأساسية، رغم الشكليات المؤسساتية التي رافقتها. هذا الفشل لم يكن غيابا للقوانين أو الهيئات، بل تجلى في استمرار الانتهاكات بنفس الأنماط التقليدية من اختطاف وتعذيب ومحاكمات غير عادلة، إلى جانب فجوة واسعة بين خطاب الدولة الحقوقي المدستّر وبين الممارسة الفعلية على الأرض، حيث تُدستر الحقوق لكنها لا تُفعّل. كما أنتج هذا النموذج غيابا للمساءلة الحقيقية وإفلاتا للجناة من العقاب، مدفوعا بمحدودية صلاحيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي بقيت استشارية غير ملزمة.

جدّة المقترح ونقاط قوته

يمثل هذا المقترح تطورا نوعيا في الفعل الحقوقي المغربي من عدة زوايا:

الجدّة الاستراتيجية: حيث ينتقل من العمل الجمعوي المشتت والمتناثر إلى إطار جبهوي موحد، يجمع الفاعلين الحقوقيين والسياسيين تحت مظلة واحدة. كما يقوم بربط استراتيجي واعٍ بين ملف الانتهاكات التاريخية والانتهاكات المستمرة حاليا، خاصة في ظل قانون 0303 ومعاناة المعتقلين الإسلاميين، محاولا بذلك استثمار ظرفية سياسية حساسة (مثل انتخابات 2026 وكأس العالم 2030) كرافعة للضغط لتحقيق مكاسب ملموسة.

نقاط القوة البنيوية: يُظهر المقترح نضجا من خلال بنائه على إرث هيئة الإنصاف والمصالحة، ليس عبر إنكار التجربة بل كمحاولة لإتمامها وتصحيح مسارها. كما أن ربطه بين أجيال الضحايا المختلفة (ضحايا الماضي، وضحايا ما بعد 2011، والمعتقلون الإسلاميون) يمنحه قاعدة أوسع وشرعية أعمق. وتكمن قوة أخرى في رؤيته المتدرجة، التي تنتقل من المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مستثمرة الفرص السياسية.

التحديات العملية والعقبات المتوقعة

رغم هذه الجدّة والقوة النظرية، فإن المقترح يقف أمام جملة من التحديات الجسيمة التي قد تعترض تحقيقه على الأرض:

  • تحديات التأسيس: أبرزها التباين الأيديولوجي الحاد بين الفاعلين الحقوقيين ، واختلاف الأولويات بين منظمات الضحايا نفسها، حيث تميل كل فئة للتركيز على قضيتها الخاصة. كما تظل مشاركة المؤسسات الرسمية، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في ملفات “حساسة” أمرا محفوفا بالمخاوف والحدود.
  • تحديات السياق السياسي: تتمثل في حساسية الملفات المطروحة للمساءلة، خاصة تلك المرتبطة بالمعتقلين الإسلاميين والمساءلة الجنائية للجناة، فضلا عن عدم وجود إرادة سياسية واضحة للمضي وراء الحدود المرسومة سابقا في ملف الانتهاكات. ولا يُستبعد أن يتم تهميش هذه المطالب بحجة الأولويات الوطنية الكبرى، مثل استضافة كأس العالم 2030.

مقترحات للتعزيز والتطوير

لتعزيز فرص نجاح هذا المقترح الطموح، يمكن تقديم جملة من الاقتراحات على مستويات مختلفة:

  • على مستوى الاستراتيجية: تطوير خطاب توافقي يجمع بين المطالب المشتركة مع الحفاظ على خصوصيات كل فئة من الضحايا، وصياغة أجندة مرحلية تبدأ بالممكن (كجبر الضرر الفردي) وتتجه تدريجيا نحو الأصعب (ككشف الحقيقة الكاملة والمساءلة)، مع إعداد أدلة موثقة عن الانتهاكات المستمرة لتكون أساسا للحملات الضاغطة.
  • على مستوى التحالفات: ضرورة البحث عن حلفاء داخل المؤسسات (برلمانيين، أحزاب، هيئات دستورية)، وبناء تحالفات إقليمية ودولية لدعم المطالب محليا، واستقطاب وجوه وطنية محايدة لزيادة مصداقية المبادرة ووزنها الأخلاقي.
  • على مستوى الآليات: إنشاء هيئة تنسيقية دائمة ذات تمثيل متوازن بين جميع المكونات، وتطوير آليات اتصال فعالة مع الرأي العام والإعلام، وإعداد مقترحات تشريعية محددة وقابلة للتبني في البرلمان لتحويل المطالب إلى قوانين.

في الختام، يمثل مقترح “الجبهة الموحدة” نقلة نوعية محتملة من العمل النضالي الفردي إلى العمل الاستراتيجي الجماعي، ورابطا أساسيا بين الملفات التاريخية العالقة والانتهاكات الراهنة، في محاولة واضحة لاستثمار الفرص السياسية لخدمة القضية الحقوقية.

غير أن نجاح هذا المقترح الرائد يبقى رهينا بقدرة مكوناته على تجاوز الخلافات الأيديولوجية العميقة، وتطوير خطاب ضاغط لكنه واقعي يمكن من خلاله تحقيق انتصارات مرحلية، وضمان استدامة الحركة بعيدا عن التموجات الإعلامية المؤقتة. إن نجاح هذه الجبهة في التأسيس والفعل، لن يشكل انتصارا للضحايا فحسب، بل قد يفتح صفحة جديدة في مسار العدالة الانتقالية المتعثرة، معيدا تعريف علاقة الدولة بالمجتمع في أحد أخطر الملفات وأكثرها إلحاحا.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.