منتدى الإعلام السوداني
طويلة، 4 أكتوبر 2025، (سودان تربيون) على الطريق الرابط بين الفاشر وطويلة بولاية شمال دارفور، تتناثر عشرات الجثث لمدنيين لم يتمكنوا من النجاة في رحلة فرار محفوفة بالمخاطر، حيث لقي الكثيرون منهم مصرعهم بسبب المرض أو الجوع أو برصاص قوات الدعم السريع.
يجب على السالكين لهذا الطريق، الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع، أن ينسوا الوعود بوجود ممرات آمنة لخروج المدنيين. فالرجال يواجهون اتهامات بالانتماء إلى الجيش والقوات المشتركة ويتم إعدامهم ميدانياً، فيما تقع النساء ضحايا للعنف الجنسي بكافة أشكاله، ويسقط الأطفال وكبار السن ضحايا للجوع والعطش في رحلة الفرار المميتة من موت محتوم داخل الفاشر، وفقاً لشهادات عديدة حصلت عليها (سودان تربيون).
ومنذ بداية العام الجاري 2025، تزايدت وتيرة فرار سكان مدينة الفاشر بعد أن شددت قوات الدعم السريع حصارها على المدينة ومنعت عنها الغذاء والدواء منذ اكثر من 15 شهرا، وكثّفت هجماتها البرية والمدفعية والجوية باستخدام الطائرات المسيّرة. هذا الوضع الأمني والمعيشي المتردي دفع آلاف المواطنين للبحث عن طوق نجاة بالفرار نحو مناطق أكثر أمناً، لكن الكثير منهم قُتلوا على الطريق.

رحلة الموت
“لم أكن أعرف إن كنت سأظل على قيد الحياة حتى وصولي مع أطفالي أم لا.. كنت أسير وأنا أحمل واحداً على ظهري وآخر بيدي، وأدعو الله ألا أسقط مثل الذين سقطوا على الطريق”. بهذه الكلمات بدأت فاطمة (35 عاماً)، وهي أم لخمسة أطفال، حديثها بعد وصولها مرهقة إلى بلدة طويلة قادمة من مدينة الفاشر.
تروي فاطمة رحلتها التي بدأت من حي الثورة جنوب الفاشر، بعد أن تعذر عليها البقاء وسط تساقط القذائف المدفعية وانعدام الطعام وفقدانها لزوجها في إحدى هجمات الدعم السريع.
وقالت لـ(سودان تربيون) : ” خرجنا من الفاشر بلا زاد أو ماء.. كنا نسير أيّامًا تحت الشمس الحارقة.. رأيت نساءً ينهَرنَ من التعب، وأطفالًا يصرخون من العطش، لم يتحمّل بعضهم.. ورأيناهم يسقطون واحدًا تلو الآخر”.
وتضيف بصوت مخنوق : “مررنا بجثث كثيرة .. رجال ونساء وأطفال لم يقوَ ذووهم على مواراتهم الثرى، فتركوهم في العراء” . وتابعت فاطمة : “نجونا، لكننا فقدنا الكثير في الطريق.. فقدنا الجيران، والأمان، وفقدنا جزءاً من قلوبنا ونحن نمشي بين الموتى”.
وفي 28 سبتمبر الماضي، قالت منظمة أطباء بلا حدود إنها قدمت الرعاية الطبية لأكثر من 300 من ضحايا وناجي العنف الجنسي في محلية طويلة بشمال دارفور، خلال شهري مايو ويونيو 2025.
ونقلت المنظمة شهادات مروعة من “طريق الموت” بين طويلة والفاشر، حيث قالت فتاة (17 عاماً): “لقد ضُربنا واغتُصبنا هناك على الطريق”. فيما أضافت امرأة أخرى (28 عاماً) أن رجلين هاجماها، قائلةً: “كنت أحمل طفلي، فهددني أحدهما بقتله. ومع ذلك تركني بعدما توسلت إليه، لكنهما اغتصبا أختي”.

عشرات الأسر تصل إلى طويلة يومياً
يستقبل مركز الطوارئ في طويلة، الخاضعة لسيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، عشرات الأسر يومياً مثل أسرة فاطمة، بعد رحلة نزوح شاقة تهددها المخاطر الأمنية والجوع والعطش والعنف الجنسي. وتشير الغرفة الى أن عدد الأسر التي تصل يومياً إلى طويلة يقدر ما بين 30 إلى 40 أسرة نازحة من الفاشر، تصل غالبيتها في حالة إنهاك شديد بعد أيام من السير بلا ماء أو غذاء كافٍ. بعضهم فقد أطفالاً أو أقارب في الطريق، بينما وصل آخرون وهم لا يزالون يرتجفون من هول ما شاهدوه من انتهاكات يرتكبها عناصر الدعم السريع وحلفاؤهم في تحالف “تأسيس”، وفقاً لعضو الغرفة.
مئات الجثث مبعثرة على الطريق
وقال أحد أعضاء غرفة طوارئ طويلة لـ”سودان تربيون” إن فرق المتطوعين دفنت حتى الآن أكثر من 30 جثماناً خلال الأسبوع الماضي فقط، بعضها يحمل آثار طلقات نارية، فيما لا تزال جثث أخرى ملقاة على الطريق، يتعذر الوصول إليها بسبب تدهور الوضع الأمني وانتشار المجموعات المسلحة.
وأشار إلى أن المتطوعين يعملون وسط ظروف قاسية، تتمثل في انعدام وسائل النقل، بالإضافة إلى الصعوبات التي يواجهونها في توفير الأكياس المخصصة لتغطية الجثامين ودفنها بطريقة تحفظ كرامتها.
وقدّر المتحدث وجود ما لا يقل عن 500 جثمان لا تزال ملقاة على طول الطريق من الفاشر مروراً بمنطقة حلة الشيخ وصولاً إلى طويلة. وأضاف أن الفارين يتعرضون لصنوف من التعذيب ويخضعون لتحقيقات قاسية من قبل قوات الدعم السريع، التي تتهم غالبيتهم بالتبعية للجيش أو القوات المشتركة المتحالفة معه.
ويُشير المصدر، وفقاً لإفادات استقاها من ناجين، إلى أن قوات الدعم السريع المنتشرة على الطريق تمنع الأسر من دفن موتاها وتطالبهم بالمغادرة فوراً. وأفاد بأن قوات الدعم السريع قتلت ما لا يقل عن 60 شاباً رمياً بالرصاص خلال الشهر الماضي وحده، بحسب إفادات ناجين.

رحلة الأهوال
“مشينا أياماً طويلة بلا ماء ولا طعام.. رأيت أطفالاً يسقطون أمام أعيننا ولم نستطع أن نفعل شيئاً “، بهذه الكلمات يصف آدم، أحد الناجين الذين وصلوا إلى بلدة طويلة قادماً من مخيم أبو شوك شمال الفاشر، رحلته القاسية مع أسرته.
يقول آدم إنهم اضطروا للهرب تحت وطأة القصف والجوع، ليجدوا أنفسهم في طريق ممتد تملؤه الجثث : “كنا نمشي ونرى الناس ملقيين على الأرض .. بعضهم مات من العطش، وبعضهم بالرصاص.. كنت أمسك بأيدي أطفالي وأخاف أن يختفوا من بين يدي”.
وتابع : “وصلنا طويلة ونحن أحياء، لكننا تركنا أرواحنا هناك مع الذين لم يتمكنوا من مواصلة الطريق.. نحن نعيش معاناة لا توصف، لكن أصعب ما مررنا به هو أن نمشي بين الموتى ونواصل السير كأننا لسنا بشراً”.
من بين الضحايا الذين قُتلوا على طريق الفاشر طويلة وتُركوا في العراء، شبان تتراوح أعمارهم بين 25 و30 عاماً، أُجبروا على الخضوع لعمليات نقل دم غير آمنة، ما تسبب في وفاتهم نتيجة مضاعفات صحية خطيرة.
وأفاد ثلاثة ناجين وصلوا إلى طويلة بأن عمليات النقل، التي تمت دون أي تدابير وقائية أو فحوص طبية، أدت إلى وفاة ما لا يقل عن عشرة مدنيين خلال فترة وجيزة.

وقال يونس، وهو نازح فرّ من مخيم أبو شوك ووصل إلى طويلة، لـ”سودان تربيون” إن قوة من الدعم السريع ترافقها سيارة إسعاف اعترضت في 26 أغسطس الماضي تجمعاً للنازحين قرب بلدة قرني غرب الفاشر.
وأشار إلى أن القوة أوقفتهم واعتدت عليهم بالضرب بالسياط، متهمةً إياهم بأنهم جنود من الجيش السوداني يحاولون الهروب. وأضاف أن عناصر الدعم السريع أجبروا ستة شبان على الصعود إلى سيارة الإسعاف، حيث سحب أطباء كميات من دمائهم دون إجراء أي فحوصات للتأكد من فصائل الدم أو صلاحيته للنقل.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (سودان تربيون) للتوثيق والتعريف بما سمي ب”طريق الموت” الرابط بين الفاشر وطويلة، حيث يلقى مئات المدنيين مصرعهم بسبب الجوع والعطش أو برصاص قوات الدعم السريع. حيث يروي الناجون فظائع تشمل الإعدامات الميدانية، العنف الجنسي، وترك مئات الجثث في العراء دون مواراة. منظمات إنسانية وغرف الطوارئ تؤكد وصول عشرات الأسر المنهكة يومياً إلى طويلة بعد رحلة مليئة بالمخاطر.
المصدر: صحيفة التغيير