أمد/ نيويورك: وافقت حركة حماس على بعض عناصر المقترح الذي قدّمه الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت شروطها ستُرضي البيت الأبيض أو إسرائيل في نهاية المطاف بحسب نيويورك تايمز.

وأطلقت الطائرات الإسرائيلية فوق البحر الأحمر وابلاً من الصواريخ التي ارتفعت عالياً في الجو وسقطت على حي سكني في الدوحة بقطر، حيث كان ممثلو حماس يناقشون إمكانية وضع خطة لإنهاء الحرب في غزة.

وكان الهجوم في التاسع من سبتمبر استفزازاً مذهلاً من إسرائيل: التفاوض عبر قصف المفاوضين. أكثر من أي عمل عدواني آخر لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الشرق الأوسط خلال العام الماضي، أثار هذا العمل غضب المسؤولين الحكوميين في المنطقة وفي واشنطن على حد سواء، حتى أنه هدد بنسف احتمالات التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار.

لكن بعد عشرين يوماً، وقف نتنياهو والرئيس ترامب معاً في البيت الأبيض، معلنين دعمهما لخطة قد تُنهي الحرب المستمرة منذ نحو عامين. قال ترامب، على طريقته المعتادة في المبالغة: “إنه يوم كبير، يوم جميل، ربما أحد أعظم الأيام في تاريخ الحضارة”. أما نتنياهو فقال بحذر أكبر إن المقترح “يحقق أهدافنا الحربية”.

فشل الهجوم الإسرائيلي الجريء في قتل أهدافه، لكنه دفع ترامب الغاضب ومستشاريه إلى الضغط على نتنياهو لدعم إطار عمل لإنهاء الحرب، بعد شهورٍ بدا فيها أن الرئيس يمنح الزعيم الإسرائيلي حرية مطلقة لمواصلة هجماته على حماس، رغم ارتفاع أعداد القتلى ومعاناة المدنيين الفلسطينيين إلى مستويات جعلت إسرائيل معزولة أكثر فأكثر.

وحصلت الخطة على دفعة قوية مساء الجمعة عندما أعلنت حماس أنها وافقت على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وكذلك تسليم جثامين القتلى، استجابةً للمبادرة التي قدّمها ترامب.

لكن يبقى السؤال ما إذا كان رد حماس سيرضي إسرائيل والبيت الأبيض. فالبيان لم يتطرق، على سبيل المثال، إلى عناصر أساسية في المقترح الأمريكي تدعو الحركة إلى التخلي عن سلاحها، وهو مطلب رئيسي لإسرائيل.

قال ترامب في فيديو احتفالي من المكتب البيضاوي: “إنه يوم كبير. سنرى كيف ستسير الأمور. علينا أن نثبت التفاصيل على أرض الواقع”.

حتى لو تقدمت الخطة، ستظل تحديات تنفيذها كبيرة. فقد بدأت تظهر بعض الشقوق في دعم التحالف العربي والإسلامي الذي وقّع عليها. كما خفّف نتنياهو بعض عناصر المقترح بطريقة تمنحه قدراً كبيراً من المرونة لإدارة الصراع وفق شروطه الخاصة.

وغالباً ما تنتهي محاولات إحلال السلام الدائم في الشرق الأوسط بالإحباط، إن لم يكن بالفشل الكامل. لكنّ جهود ترامب ومستشاريه لجمع عدة أطرافٍ حول طاولة واحدة أظهرت على الأقل بعض الأمل، وبنت على نجاح إدارته الأولى في التوسط لـ”اتفاقات أبراهام” التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.

هناك قدر من التفاؤل في أن ما حدث خلال العشرين يوماً التي تلت الهجوم الإسرائيلي على قطر — من دبلوماسية سرّية عالية المخاطر بين دول فقدت الثقة ببعضها منذ زمن، لكنها اتفقت في النهاية على مسارٍ لإنهاء الحرب — قد يترك أثراً دائماً بعد عامين من الدمار الذي بدأ بهجوم حماس المفاجئ على إسرائيل في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023.

لقد كانت عمليةً أعادت جاريد كوشنر، صهر ترامب، إلى دوره القديم كمفاوض في شؤون الشرق الأوسط، وأجبرت نتنياهو على تقديم اعتذارٍ مذل، ومنحت حماس فرصةً أخيرة ربما لتفادي هجومٍ إسرائيلي مفتوح النهاية.

استند هذا التقرير إلى مقابلات مع 14 مسؤولاً من الولايات المتحدة وإسرائيل وعدة حكومات عربية شاركت في المفاوضات، جميعهم طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم للحديث عن محادثات خاصة ودبلوماسية حساسة.

قال نِد لازاروس، أستاذ في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن: “سواء نجح اتفاق السلام أم لا، فإن توحيد الدول العربية والإسلامية حول خطة تدعمها إسرائيل أيضاً ربما كان أنجح إنجاز دبلوماسي لإدارة ترامب”.

الضربة التي فجّرت الأزمة

كان خليل  الحيّة، كبير مفاوضي حماس وأحد مخططي هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل، هدفاً مقصوداً للهجوم الإسرائيلي. لكن ابنه قُتل بدلاً منه.

في اليوم السابق للهجوم، اجتمع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وكوشنر، في قصر ويتكوف في ميامي مع رون ديرمر، أحد أقرب مستشاري نتنياهو. وخلال ثلاث ساعات، ناقش الثلاثة مقترحاتٍ مختلفة لوقف إطلاق النار كانوا يأملون عرضها على القطريين لاحقاً ذلك الأسبوع، ثم على حماس.

لم يُظهر ديرمر خلال الاجتماع أي مؤشر على أن إسرائيل كانت تستعد لضربة مفاجئة في الدوحة.

كان كوشنر قد شغل منصب مبعوث الشرق الأوسط خلال الولاية الأولى لترامب، وبعدها أقام علاقاتٍ تجارية وثيقة مع قادة عدد من الممالك الخليجية. وخلال الأشهر الأخيرة، كان يعمل مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير على خطةٍ لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، وقد قدماها للبيت الأبيض في أغسطس.

بعد انتهاء اجتماع ميامي في الثامن من أيلول، أمضى ديرمر ساعاتٍ إضافية على الهاتف مع مسؤولٍ قطري حتى الساعات الأولى من الصباح بتوقيت الدوحة.

لكن بعد نحو 12 ساعة من انتهاء المكالمة، أطلقت الطائرات الإسرائيلية صواريخها نحو الاجتماع في العاصمة القطرية، الذي حضره خالد الحيّة، أحد أبرز قادة حماس العسكريين. وكانت قطر، إلى جانب مصر، وسيطاً أساسياً منذ بداية الحرب، إذ يعيش في الدوحة عدد من كبار قادة حماس السياسيين، ما منحها نفوذاً مباشراً عليهم.

علم ترامب وويتكوف بالهجوم فقط أثناء وقوعه. وعندما تلقى ويتكوف ، اتصل فوراً بمسؤولين قطريين، لكن الأوان كان قد فات. فقد أصابت الصواريخ مجمّعاً سكنياً يقيم فيه مسؤولون من حماس، وأسفر الهجوم عن مقتل ضابط أمن قطري وابن الحيّة، دون أن يُقتل أيّ من قيادات الحركة.

كان ويتكوف غاضباً، وأبلغ رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن البيت الأبيض لا علاقة له بالهجوم. كما اتصل بحكوماتٍ عربية أخرى لإيصال الرسالة نفسها.

شعر القطريون بالصدمة والخيانة، وعبّروا للأمريكيين عن غضبهم لأن نفوذهم كوسطاء تم تقويضه. وقال مسؤولون قطريون لكوشنر — الذي كان بدوره غاضباً ومحرجاً — إنهم تصرفوا بحسن نية كمفاوضين، لكن الإسرائيليين هاجموهم كما لو كانوا وكلاء لحماس.

وقال رئيس الوزراء القطري في مؤتمر صحفي بالدوحة: “لقد وصلنا إلى لحظةٍ حاسمة يجب أن يرد فيها العالم بأسره على مثل هذه الأفعال الهمجية”، متهماً الحكومة الإسرائيلية بمحاولة “إحباط كل محاولة لصنع فرصٍ للسلام”.

أوقفت قطر عملياً وساطتها، فتعثرت المفاوضات الهشّة أصلاً.

في الوقت نفسه، رأى بعض مسؤولي البيت الأبيض في الضربة الفاشلة فرصةً جديدة. فقد أطلق نتنياهو الهجوم ظنّاً أنه سيضعف خصومه الضعفاء أصلاً، لكنه أخفق وأثار غضب واشنطن وحكوماتٍ عربية نافذة. وربما، كما فكّر الأمريكيون، يمكن استغلال اللحظة لدفع نتنياهو إلى التنازل عن بعض النقاط التي رفضها طويلاً.

في 15 سبتمبر، عقد القطريون قمةً طارئة للدول العربية والإسلامية في فندق الشيراتون بالدوحة، وأصدر القادة المشاركون إداناتٍ شديدة لإسرائيل. لكن خلف الأبواب المغلقة، عمل بعض المسؤولين على قائمة مطالبٍ أرادوا تضمينها في أي اتفاقٍ لإنهاء الحرب في غزة، وفق دبلوماسيَّين تحدثا بشرط عدم ذكر اسميهما.

تضمّنت القائمة النهائية، من بين أمور أخرى، حظر استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومنع ضمّ الأراضي أو احتلالها، ووقف التهجير القسري للفلسطينيين من غزة.

هل يستطيع ترامب كبح نتنياهو؟

نقل القطريون هذه المطالب إلى المسؤولين الأمريكيين شخصياً خلال زيارتهم إلى نيويورك قبل بدء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيلول.

وفي اجتماعٍ يوم 20 أيلول، عرض رئيس الوزراء القطري هذه المطالب على ويتكوف وكوشنر، وأبلغهم أنه بحاجة إلى ضماناتٍ من الولايات المتحدة بأن إسرائيل لن تهاجم قطر مجدداً.

وأثناء وجود ترامب وكوشنر على متن طائرة “إير فورس ون” في اليوم التالي متوجهين إلى حفل تأبين الناشط المحافظ تشارلي كيرك، تحدثا عبر الهاتف مع ويتكوف بشأن تفاصيل الخطة. وأصر ترامب على أن خطة غزة يجب ألا تقتصر على وقف إطلاق النار، بل أن تكون “خطة لإنهاء الحرب” يتفق عليها الجميع.

في 23 سبتمبر، وخلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عقد ترامب وويتكوف اجتماعاً مع كبار مسؤولي الدول العربية والإسلامية، وشرحا ملامح الخطة. قبل الاجتماع، كان ممثلو هذه الدول قد اجتمعوا في البعثة القطرية في نيويورك لتنسيق مواقفهم.

قدّم ويتكوف العرض مستخدماً لغةً دقيقة لتجنب إثارة الخلافات، فبدلاً من “استسلام” حماس قال إنها يجب أن “تُعطّل سلاحها”. وأوضح أن الخطة تتضمن انسحاباً إسرائيلياً تدريجياً من غزة، وبقاء الفلسطينيين فيها، وإعادة الرهائن، والعفو عن مقاتلي حماس.

وبحسب ممثلين حكوميين حضروا الاجتماع، قوبلت الخطة بترحيبٍ لأنها شملت معظم النقاط التي تم الاتفاق عليها في اجتماع الدوحة.

سأل أحد المندوبين العرب عمّا إذا كانت الولايات المتحدة تدعم حلّ الدولتين. لكن ترامب وويتكوف تهربا من الإجابة، واكتفى ويتكوف بالحديث عن “غزة ما بعد الحرب” بما يرضي الحضور.

سأل آخرون كيف سيضمن ترامب أن يوافق نتنياهو على الخطة وينفذها. فأجاب ترامب بأنه سيتولى أمر نتنياهو شخصياً.

أمر ترامب وزير الخارجية ماركو روبيو بعقد اجتماعٍ لاحق، وفي اليوم التالي، قدّم روبيو في فندق “لوت نيويورك بالاس” نسخة مكتوبة من الخطة مؤلفة من 21 بنداً.

ومع ذلك، بقيت هناك خلافات داخل بعض الدول المشاركة. ففي باكستان مثلاً، أثارت الخطة انقساماً علنياً بين رئيس الوزراء شهباز شريف الذي رحب بها، ووزير خارجيته إسحاق دار الذي قال إنها لا تعكس ما تم الاتفاق عليه: “هذا ليس مستندنا”، مضيفاً “هناك نقاط أساسية يجب أن تُغطى، وإذا لم تُغط، فستُغطى لاحقاً”.

اعتذار قسري واتفاق

بقي السؤال: هل سيتمكن ترامب من إلزام نتنياهو فعلاً؟

قبل انعقاد الجمعية العامة، طلب نتنياهو لقاء ترامب في البيت الأبيض، ثم صرّح للصحفيين بأنه “دُعي” إلى واشنطن، ما أثار غضب مستشاري الرئيس.

وفي 25 سبتمبر، عقد ويتكوف وكوشنر اجتماعات متوترة مع نتنياهو في نيويورك، مدعومين بتفويضٍ من ترامب للتمسك بموقفهم. واستمرت المفاوضات لساعات.

ثم عُقدت جلسة أطول بعد ثلاثة أيام في فندق “لويز ريجنسي”، حيث جادل الوفدان الأمريكي والإسرائيلي حول قضايا كبيرة وصغيرة، من الألفاظ إلى مستقبل الحكم في غزة.

كان نتنياهو متشككاً، وسعى لتخفيف التزامات إسرائيل وحذف أي إشارةٍ إلى الدولة الفلسطينية أو إلى دور السلطة الفلسطينية في غزة، وأضاف بنوداً تجعل الانسحاب الإسرائيلي أقل احتمالاً.

كان ترامب يتصل بالاجتماع بشكل متقطع، أحياناً يتحدث مع نتنياهو مباشرة، وأحياناً يناقش مع كوشنر وويتكوف كيفية التعامل معه.

وبحلول أواخر ليلة 28 أيلول، تم الاتفاق على ما يكفي لإعداد إعلانٍ مشترك في البيت الأبيض في اليوم التالي.

لم يُعرف بالضبط ما التغييرات التي وافق عليها ترامب، لكن يبدو أن نتنياهو نجح في تعديل النص لصالح إسرائيل، خصوصاً بشأن الانسحاب. ومع ذلك، بقيت في الخطة إشارة غامضة إلى “مسارٍ موثوق نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية”، وهو ما يعارضه نتنياهو.

كانت الدول العربية مستاءة من بعض هذه التعديلات. وحتى صباح يوم الاثنين — يوم إعلان الاتفاق — كان بعض مسؤوليها يطالبون الأمريكيين بتأجيل الإعلان لأنهم يخشون أن ترفضه حماس.

لكن ترامب كان راضياً بالنص وأراد نشره فوراً.

بقيت مشكلة واحدة: مطالبة قطر باعتذارٍ رسمي من نتنياهو عن الهجوم على الدوحة في 9 أيلول. ولأكثر من أسبوع، قال ترامب لنتنياهو إنه سيتعيّن عليه الاعتذار، مضيفاً: “حتى أنا أعتذر أحياناً، والآن دورك أن تقول آسف.”

وقبيل ظهورهما معاً في البيت الأبيض يوم 29 سبتمبر، جلس ترامب ونتنياهو جنباً إلى جنب في المكتب البيضاوي، وأمسك نتنياهو بسماعة الهاتف ليقرأ نص اعتذاره لرئيس الوزراء القطري بنفسه. وفي الصورة التي نشرها البيت الأبيض، بدا سلك الهاتف ممتداً إلى حضن ترامب حيث كان الجهاز موضوعاً بشكل غير مريح.

شاركها.