
صفاء الزين
مع استمرار الحرب في السودان ودخولها عامها الثالث يتضح أن الخاسر الأكبر هو الشباب. فبينما يُفترض أن يكونوا طاقة الأمة وعماد المستقبل أصبحوا اليوم عالقين بين جبهات القتال وخطوط النزوح. إنهم محاصرون بغياب الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ مما يدفع جيلًا كاملًا إلى زاوية ضيقة.
الشباب السوداني يجد نفسه اليوم أمام خيارين مريرين: إما الانخراط في القتال أو خوض رحلة هجرة محفوفة بالمخاطر. غياب فرص العمل وانهيار المؤسسات التعليمية وانسداد الأفق السياسي حوّل الشباب من ركيزة للتنمية إلى ضحايا. فهم إما يُستنزفون في الحرب أو يذوبون في المنافي البعيدة. والنتيجة وطن ينزف أهم طاقاته.
المشهد أكثر تعقيدًا مما يبدو. دخول الشباب في القتال ليس مجرد استجابة طبيعية لواقع الحرب بل نتيجة تراكم أزمات اقتصادية واجتماعية تجعلهم فريسة سهلة لمعادلة المال والسلاح في غياب البدائل. ومع تفاقم الأزمة المعيشية وانهيار فرص التعليم والعمل يتحول الشباب إلى وقود لحروب تستنزف رأس المال البشري، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من 10 ملايين سوداني داخليًا وخارجيًا منذ بدء النزاع وغالبيتهم من الشباب.
أما الهجرة فهي خيار لا يقل قسوة. آلاف الشباب يغامرون بعبور الحدود نحو مصر أو تشاد أو جنوب السودان. آخرون يسلكون طرقًا خطرة عبر الصحراء نحو ليبيا والبحر المتوسط. قصة شاب في العشرينات تختصر هذا المأزق. ترك دراسته في الخرطوم بعد تدمير جامعته، وسافر عبر الصحراء إلى ليبيا أملًا بالوصول إلى أوروبا، لكنه واجه الاستغلال والترحيل، وانتهى به المطاف عالقًا في مخيم على الحدود. مثل هذا الشاب يرى كثيرون أن المخاطرة بالخروج أفضل من البقاء في وطن بلا أفق.
المسألة لا تتعلق بمصير أفراد فقط، بل بمستقبل وطن بأكمله. النزيف البشري المتواصل يفرغ السودان من أهم موارده: شبابه المتعلم وأطباؤه ومهندسوه وطلاب الجامعات الذين أُجبروا على ترك مقاعد الدراسة. وتقديرات منظمات العمل الدولية والبنك الدولي تشير إلى أن معدلات بطالة الشباب في السودان من بين الأعلى في المنطقة مع افتقار الغالبية إلى فرص عمل مستقرة أو آمنة. هذا الواقع يجعل أي حديث عن إعادة إعمار أو انتقال سياسي في المستقبل بالغ الصعوبة.
الحرب الحالية لا تقتل الحاضر فقط، بل تُصادر المستقبل أيضًا. كل يوم يضيع فيه الشباب بين جبهات القتال وممرات الهجرة هو خطوة نحو انهيار الدولة وتمزيق المجتمع. ومع ذلك يبقى الأمل ممكنًا إذا جرى الاستثمار في هذا الجيل عبر برامج التعليم والتدريب وإشراكه في المشاريع السياسية والاقتصادية المطروحة. إشراك الشباب في الحوار الوطني وتوفير مسارات حقيقية للمشاركة قد يكون البداية لبناء سلام مستدام يعيد الأمل للسودان.
المصدر: صحيفة التغيير