رنّ الهاتف في مكتب الكاتب العدل، كانت مكالمة عادية ضمن إجراءات التحقق من معاملة إلكترونية مقدمة عبر النظام الرقمي، من نوع «إقرار بعدم العمل» باسم فتاة.

الكاتب العدل كعادته، لم يكتفِ بما هو ظاهر على الشاشة، فالقانون لا يُبنى على أوراق فقط، بل على صوت الإرادة الحاضرة.

التقط السماعة وسأل عن الفتاة صاحبة الطلب، لكن الصوت الذي جاءه لم يكن صوتها، بل صوت والدها، وعندها أصرّ الكاتب العدل بلهجة حاسمة: «أريد التحدث مباشرة مع مقدمة الطلب، فالمعاملة لا تصح إلا بإرادتها هي».

تردّد الأب قليلًا، ثم أجاب باعتراف صادم: «ابنتي ليست بكامل وعيها ولا تُدرك مضمون هذا الإقرار، أنا فقط أريد إتمام المعاملة للاستفادة منها لدى بعض الجهات في الدولة».

ساد صمت قصير قبل أن يحسم الكاتب العدل الموقف: «لن تُستكمل هذه المعاملة».

وبهدوء صارم، شرح أن أي تصرف قانوني يفتقد إلى الأهلية الكاملة هو تصرف باطل، ثم وجّه الأب إلى الطريق الصحيح: «مراجعة محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتقديم طلب رسمي بتعيين قيّم شرعي، ليكون هو المسؤول عن إدارة شؤون ابنته بقرار قضائي ملزم، وعندها فقط يمكن النظر في مثل هذه المعاملات، بما ينسجم مع الضوابط والإجراءات المقررة».

خرج الأب من المكالمة بخطوات أثقل مما بدأها، بعدما أدرك أن القانون لا يفتح أبوابه إلا لإرادة مكتملة الأهلية، وأن العدل ليس أوراقاً تُصدّق، بل حقوق تُصان.

العبرة من الواقعة أن الأهلية هي حجر الأساس لصحة أي معاملة قانونية، فلا إقرار ولا توكيل ولا تصرف يُعتدّ به إن صدر من فاقد للوعي أو منقوص الإرادة، وما لم تنبع التصرفات من إرادة حرة كاملة، فهي باطلة مهما بدت مكتملة، فالعدل يحفظ النصوص، لكنه قبل ذلك يحمي الإنسان من أن يُساق إلى ما لا يعي أو ما لا يريد.

بالتنسيق مع محاكم دبي

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

المصدر: الإمارات اليوم

شاركها.