أمد/ لم يعد خافيًا أن الولايات المتحدة، وهي القوة العظمى في النظام الدولي، قد تخلّت عن موقعها الطبيعي كقائدٍ وضابطٍ للتوازن، لتتحول إلى تابعٍ مطواع لسياسات إسرائيل، الدولة الصغيرة مساحة وسكانًا، لكنها كبيرة النفوذ في مراكز القرار الأمريكي. هذه المفارقة المقلوبة جعلت واشنطن تتقزم أمام تل أبيب، وتتصرف في قضايا الشرق الأوسط وكأنها ذراع من أذرع المشروع الصهيوني، لا كقوة عظمى مسؤولة عن حفظ السلم الدولي.

لقد باتت الإدارة الأمريكية تغطي كل جرائم إسرائيل في فلسطين وغزة، وتستخدم الفيتو لحمايتها من أي مساءلة دولية، حتى لو قاد ذلك إلى نسف قواعد القانون الدولي وتفجير المنطقة.

بهذا السلوك، يظهر “الكبير” خاضعًا لإملاءات “الصغير”، ويُصاب النظام العالمي بخلل خطير يهدد استمراره.

هذه الظاهرة لا تقف عند حدود واشنطن وتل أبيب، بل تمتد إلى دول إقليمية صغيرة وكيانات محدودة الوزن، صُنعت لها أدوار أكبر من حجمها بفعل التحالف مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، فتتعملق على حساب قوى أكبر وأعرق، وتتصرف في الملفات الإقليمية كأنها صاحبة الكلمة الفصل، فيما حقيقتها أنها أدوات مؤقتة في لعبة النفوذ.

والصورة ذاتها نراها داخل الدول حين يُقصى أصحاب ة والرؤية، ويُهمَّش المفكرون والقادة الحقيقيون، ليحل مكانهم صغار النفوس وضعاف التجربة، عندها يتقزم القرار الوطني، ويتدهور مستوى الحكم والإدارة، وتضيع الأولويات لصالح نزوات ومصالح ضيقة، النتيجة واحدة: انهيار النظام، سواء كان دوليًا أو محليًا.

الخطر إذن ليس في جرأة الصغار على التمدد، بل في تقاعس الكبار عن أداء مسؤولياتهم التاريخية.

حين يتراجع الكبار، يتضخم الصغار، ويُصاب النظام بالشلل والانهيار.

وما لم تستيقظ القوى الكبرى دولًا ونخبًا لتعيد التوازن وتتحمل مسؤولياتها، فإننا سنظل أسرى مشهد عبثي يقود فيه الأقزام بينما يتوارى أصحاب القامة الحقيقية.

شاركها.