يحافظ معرض الفرس بالجديدة، المستمرّة فعاليات دورته الـ16 بمركز المعارض محمد السادس بعاصمة دكالة، على تقليد تكوين نظرة شاملة لدى الزوار حول كافة المهن المتدخلة في “التبوريدة”، ضمنها حرف صناعة السروج و’المكاحل’ والأزياء؛ إذ يوفّر رواق دار الصانع “فرصة نادرة” للاطلاع واستكشاف كل “صغيرة وكبيرة” في إنجاز هذه المكونات التي تتحدى الانقراض.
بولوج ورشة “السروج” التقليدية، إحدى الورش التي يضمها الرواق، يصادف الزائر مجموعة من سروج “التبوريدة” المزخرفة، مختلفة الألوان، معروضة على حوامل خشبية. كل واحد منها مغطى بقطع قماش مطرّزة بخيوط ذهبية لامعة، وزخارف تقليدية. وأُرفقت بحبال ملونة (شرّابات) تُعلّق على الجانبين.
إنها ورشة الصانع التقليدي المغربي ذي الخبرة في مجال صناعة السروج التقليدية، السقاط هشام. وتضم إلى جواره عددا من الصناع التقليديين المتدخلين في هذه الصناعة الأصيلة، من المكلف برشم العمل إلى الخياط مرورزا بالطرازة.
وقال السقاط، الذي عاينته هسبريس وهو لا يدخر جهدا في شرح تفاصيل صناعة السروج للزوار، رجالا ونساء، أطفالا وشبابا وكبارا، إن “17 حرفة تتدخل في صناعة السرج التقليدي المغربي، خصوصا أنه يتكوّن من 34 قطعة”.
مراحل الإنتاج
وأوضح الصانع التقليدي ذاته، الذي يملك محلا لبيع السروج بالمدينة القديمة فاس، في حديث لهسبرييس، أن المرحلة الأولى من صناعة السرج التقليدي، الذي يتعدى مجرد أداة للركوب إلى كونه جزءا من الهوية الثقافية المغربية، خصوصا في “التبوريدة”، “تهم ‘رشم العمل’ الذي تعده ‘المعلمة الزواقة’”.
“إثر ذلك، نقوم بإلصاق هذا ‘الشغل’ في الكرطون، حتى إذا استخدمت المعلمة ‘ليشفة’ (وهي أداة معدنية صغيرة تشبه الإبرة، لكنها أكثر حجما وبلا ثقب تستخدم لتثبيت وخياطة مكونين معا) لا يحدث أي انحلال في هذا الجانب”، يفيد الصانع التقليدي ذاته، موضحا أنه “بعد ذلك، نمر إلى مرحلة ‘التحداق’ (يهم تقوية الفتحات التي يمر منها الخيط، أو الحبل)، حتى نأخذ القياس الذي نريد”.
وأضاف السقّأط أن “المرحلة الموالية تشمل منح المنتوج لـ”البرشامة” (تعمل بأداة لتثبيت أجزاء الجلد ببعضها بدل الخياطة أو معها، حسب الحالة)، التي تقوم بـ’برشمة’ جنباته، لتبدأ بعد ذلك عملية جمع كل قطعة بأخرى”، مردفا أن “عملية ‘السفيفة’ في الجنبات تبدأ إثر ذلك”.
وتختتم عملية صناعة السرج التقليدي “بالبدء بملئه في الجلد، ومن هناك المرور إلى المسائل المرتبطة بالعظم (الهيكل) والترشيح والترصيع بالنحاس أو الذهب”. ولتعدد مهام الحرفيين المتدخلين، فإن السقاط يحرص كما أكد لنا على توجيه طلبيات كل مكون إلى كل حرفي ليشتغل عليها من منزله.
تكلفة الأصالة
ونظرا لطول هذه العمليات وتعقيداتها، فإن “إنتاج سرج تقليدي واحد يستغرق أربعة شهور، خصوصا أن الطرز يتطلّب وقتا طويلا”، أكثر من ذلك، “إذا كان السرج حرا ومنجزا بواسطة ‘السقلي الرقيق’، فإن المعلمة لا يمكن أن تتعدى فيه ساعتين من الاشتغال نهارا، ما يجعل مدة إنجازه تمتد إلى عام أو عام ونصف”.
يترتب عن ذلك، “ارتفاع سعر السرج التقليدي، خصوصا باعتبار تكاليف وجودة السقلي والحرير والجلد، إلى ما بين 5 آلاف و10 آلاف درهم”، وذلك بالمقارنة مع السرج المصنوع بواسطة الآلة أو المكننة.
وفي هذا الصدد، يقول الصانع التقليدي نفسه إن “سرج ‘الماكينة’ يمكن إنتاجه في يومين أو ثلاثة، لكنه لا يمضي أربعة أو ثلاثة أيام حتى يتم الاستغناء عنه؛ حيث يصبح مثل ثوب عادي، بخلاف السرج التقليدي، الذي يصمد لعشرين أو ثلاثين سنة ويبقى تحفة نادرة تختزن جمالية قوية”، قبل أن يشدد على أن “الفرسان يختارون نوع السرج كل حسب استطاعته”، وأن “الأصالة تتطلب كلفة كبيرة”.
الشباب يؤَمّن
من خلال معاينة الصناع التقليديين، يظهر أن حضور الشباب يظل “ضعيفا”، خصوصا أن ابن السقاط، الصانع التقليدي هشام، وهو خياط، الشاب الوحيد الذي صادفناه داخل الورشة، لكن هشام، الذي ورث الحرفة أبا عن جد، أوضح لهسبريس أنه “عندما كنا نتابع تطورات الحرفة، كنا نعتقد أنها سوف تنقرض عما قريب، حيث كان شخصان فقط هما من يزاولانها. أما اليوم، فقد ارتفاع عدد الصناع التقليديين للسروج إلى 40 شخصا، من مختلف أنحاء المملكة المغربية”.
ويعزو هشام ذلك إلى أن الملك محمدا السادس أطلق معرض الفرس للجديدة، “الذي منح دفعة قوية للميدان ويحتضن جائزة مهمة لفنون التبوريدة، ما جعل أعمار المنخرطين في هذا الفن تتغير؛ فمن قبل كان الكبار فقط هم من يركبون الخيل، أما اليوم فهناك الشباب أيضا”.
كذلك، “فإن كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني ومؤسسة دار الصانع أرسيا تكوينا مهنيا تطور لاحقا، خصوصا أن الجميع، تقريبا، أصبحوا يرغبون في السرج التقليدي المصنوع باليد”.
وشدد الصانع التقليدي ذاته على أن مجهودات هذه الجهات تعززت “بمنعها بعض السروج التي كانت تلحق الضرر بالخيل كما بالفارس، بل قد تؤدي أحيانا إلى حوادث، بحيث كانت تبنى على قياسات تخالف تلك التي كانت سائدة”.
وأضاف أن “لجنة خاصة أصبحت تزور الخيالة. تعتمد تنقيطا لمن يتوفّر على السرج التقليدي 100 في المائة، وذلك لضمان ألا يتم التوجه إلى المكننة كلية والتخلي عن السرج البلدي، على أن الأمر يمتد حتى الجلباب والمحلة؛ كلها جرى تأطيرها”، خالصا إلى أنه في ظل إقبال الشباب على الحرفة، “لا خوف عليها، فهي في أياد آمنة”.
المصدر: هسبريس