التقي البشير الماحي
في هذه الأيام كثر الحديث عن فترة مهمة من تاريخ السودان وتحديدًا فترة الثورة المهدية. والتاريخ كما هو معلوم يحتل مكانة جوهرية في حياة الشعوب إذ قيل: “من لا يتعلم من دروس التاريخ محكوم عليه أن يعيد أخطاءه”، كما تُنسب إلى كارل ماركس المقولة الشهيرة: “التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة، وفي الثانية كمهزلة.”
استدعاء التاريخ أمر في غاية الأهمية غير أن هذا الاستدعاء لا ينبغي أن يتم بانتقائية بحيث نختار منه ما يوافق أهواءنا ونهمل ما سواه كما يحدث في كثير من الأحيان اليوم.
فالثورة المهدية تُعدّ من أعظم الثورات في تاريخ السودان على الإطلاق.
وحتى أولئك الذين اختلفوا في بعض جوانبها العقدية المرتبطة بفكرة الإمام المهدي كـ “إمام منتظر” لم ينكروا بعدها الثوري الذي وحّد السودانيين ولم يعارضها إلا من كان له غرض أو مصلحة.
وينصبّ معظم الحديث وغالبًه على فترة حكم الخليفة عبد الله التعايشي وما ارتكبه بعض جنوده في مناطق بوسط السودان وشماله.
غير أنّ هذه الأحداث، في بعض جوانبها جرى تضخيمها وتوظيفها سياسيًا من قِبل معارضي حتي تصيبه خليفة رغم أن الإمام المهدي نفسه هو من اختاره خليفة اولا حال موته .
أما الصراع التاريخي بين أبناء البحر وأبناء الغرب فهو صراع قديم ومتجذّر ظل يطلّ برأسه في مختلف مراحل الحكم في السودان و حتى يومنا هذا تغذّيه بعض النخب والأفراد بدوافع سلطوية وطموحات شخصية في اعتلاء الحكم.
إنّ الغاية ليست القفز سريعًا أو إعادة إنتاج الانتقائية نفسها التي نعيبها على غيرنا بل نريد سرد الأحداث بتسلسل هادئ وموضوعي، حتى نصل إلى هذه المرحلة من الفهم التاريخي المرتبط بالواقع الماثل
إنّ الثورة المهدية بما حملته من وحدةٍ شعبية، ومقاومةٍ للاستعمار، وما شابها من أخطاء أيضًا، تظل درسًا مفتوحًا للأجيال. فهي تذكّرنا بأن وحدة الصف هي السبيل إلى تحقيق الأهداف الكبرى، وأن الانقسامات والصراعات الجهوية لا تجلب إلا الضعف والهزيمة.
وإذا كان الماضي قد شهد صراعًا غذّته المصالح والطموحات الفردية فإنّ الحاضر أحوج ما يكون إلى تجاوز تلك الذهنيات واستلهام روح المهدية في بعدها الوحدوي والثوري لا في صراعاتها الداخلية.
فالتاريخ لا ينبغي أن يكون سلاحًا في معارك الحاضر بل مصدر إلهام لبناء مستقبلٍ يتجاوز الأخطاء ويستبقي الدروس والعبر حتى لا نكرره بهذه المهازل التي نشاهدها اليوم.
المصدر: صحيفة التغيير