كتب محمود الهواري:



02:52 م


01/10/2025


مع تجاوز أسعار الذهب حاجز 3800 دولار للأونصة منذ سبتمبر الجاري 2025 وسط تقلبات اقتصادية وتوترات جيوسياسية، أصبحت التساؤلات حول محدودية إمدادات الذهب أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

في هذا التقرير نرصد أحدث البيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي “WGC” وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية “USGS” حول تاريخ التعدين، والمخزونات الجوفية، والاحتياطيات غير المستغلة.

الإرث المتراكم من الذهب

وبحسب ما نشره موقع “CoinWeek” المتخصص في علم العملات وجمعها سواء معدنية أو ورقية، يقدر احتياطي الذهب العالمي بما يتراوح بين 280,000 و290,000 طن تقريبا، وهي كمية تبدو هائلة، إلا أنها تزداد هشاشة في العصر الحالي الذي يشهد تسارعا في استخراجها.

واستخرجت البشرية الذهب لأكثر من 5000 عام، لكن الإنتاج الصناعي شهد طفرة هائلة في القرن التاسع عشر بعد اكتشاف رواسب ضخمة، إذ وصل إجمالي المخزون السطحي “الذهب المستخرج” بحسب تحديث مجلس الذهب العالمي (WGC) بحلول منتصف عام 2025، إلى حوالي 218,000 طن متري.

ويتضمن هذا المخزون إضافة سنوية تتراوح بين 3,500 و3,600 طن، مع توقعات بأن يسجل عام 2025 الحالي رقما قياسيا جديدا في إنتاج المناجم.

ولتوضيح ندرة هذا المعدن، “لو صهر هذا المخزون في مكعب واحد، لن يتجاوز طول ضلعه 22.3 متراً فقط”، إذ أنه نظرا لخواصه الكيميائية الخاملة ومقاومته للتآكل، يضمن الذهب بقاء معظم الكمية المستخرجة في شكل ما.

سباق الطلب على الذهب

وفي تحليل لتوزيع المخزون فوق الأرض، لا تزال المجوهرات تستحوذ على الحصة الأكبر، لكن أهمية الذهب كأصل استثماري تتعاظم بشكل متزايد.

وعزز الطلب المتزايد من المستثمرين، مدفوعا بتحوطات التضخم، شريحة الاستثمار بقوة، بينما واصلت البنوك المركزية موجة شرائها القوية، حيث أضافت أكثر من 500 طن في النصف الأول من عام 2025 وحده.

وبحسب البيانات، بلغ إجمالي الطلب على الذهب في الربع الثاني من 2025 نحو 1249 طنا، بزيادة قدرها 3% على أساس سنوي، رغم أن مساهمة إعادة التدوير بقيت محدودة عند 339 طنا.

الاحتياطي الجوفي للذهب

وعلى الرغم من تلك الأرقام، يكمن الكنز الحقيقي في باطن الأرض، حيث تقدر الاحتياطيات المؤكدة عالميا، وهي الرواسب المجدية اقتصادياً، بـ 64,000 طن متري.

هذه التقديرات، الصادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية “USGS” في يناير 2025، تشير إلى أن هذه الاحتياطيات لا تكفي لدعم الإنتاج الحالي إلا لمدة تتراوح بين 18 و20 عاما فقط.

gold_usage_11zon

وتتسع الصورة قليلا بإضافة 132,000 طن من “الموارد” الأوسع نطاقاً، وعلى الرغم من ذلك، يواجه الوصول إلى هذا الذهب عقبات كبيرة، أبرزها انخفاض جودة الخام (12 غرام للطن) والتكاليف البيئية الباهظة، حيث يتسبب إنتاج أونصة واحدة في انبعاث نحو 500 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون، مما يحول التركيز نحو الممارسات المستدامة.

تحدي “ذروة الذهب”

وعلى الرغم من المخاوف بشأن النضوب، من المتوقع أن يحطم الإنتاج العالمي من المناجم رقما قياسيا في عام 2025، حيث سيبلغ الإجمالي نحو 3600 طن.

هذا النمو يخالف نظرية “ذروة الذهب” التي تفترض انخفاض الإنتاج بسبب نضوب الخامات، في حين يتوقع المتشائمون “هاوية” بعد عام 2025 مع انخفاض الإنتاج، إذ تشير السجلات الفصلية في 2025 إلى مرونة في استخدام الموارد، مدعومة بإنفاق معلن على الاستكشاف وإعادة التدوير بقيمة 15 مليار دولار.

ويتوقع المتفائلون استقرار الإنتاج حتى عام 2030 بفضل التقدم التكنولوجي قبل أي انخفاض ملحوظ.

توقعات أسعار الذهب

بالنظر إلى عام 2026 وما بعده، من المتوقع أن ينمو العرض بنسبة 12% سنويا فقط، في حين لا يظهر الطلب أي تراجع، لا سيما مع استمرار عمليات الشراء الحكومية والاحتياج المتزايد في قطاعات التكنولوجيا.

goldproductionforecast_11zon

ويتوقع جي بي مورغان أن يبلغ متوسط الأسعار 3675 دولارا للأونصة بحلول الربع الرابع من عام 2025، مع إمكانية ارتفاعها إلى 4000 دولار بحلول منتصف عام 2026 في حال تقلص العرض.

وبحسب البيانات يمتلك العالم ما يقارب 218,000 طن من الذهب المستخرج، بالإضافة إلى 64,000 طن من الاحتياطيات المؤكدة، بإجمالي ثروة تقدر بحوالي 414,000 طن.

وتشير طفرة الإنتاج المتوقعة في عام 2025 إلى أن “ذروة الذهب” لا تزال بعيدة المنال، لكن هناك مؤشرات تحذيرية كثيرة أبرزها تباطؤ في الاكتشافات، وتكاليف بيئية مرتفعة، وطلب متزايد.

وفي ظل هذا التوازن عالي المخاطر، لا يعد الذهب مجرد سلعة بل هو مقياس للاستقرار العالمي، ومع ارتفاع الأسعار نحو مستويات قياسية جديدة، يبقى أمر مؤكد، أن ما صنعته الطبيعة على مر العصور، قد نستنفده أسرع بكثير مما نعتقد.

شاركها.