لم تكن زيارة أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، إلى مستشفى سانية الرمل بمدينة تطوان لتمر مرور الكرام، خصوصا مع الزخم الإعلامي الذي رافق هذه الزيارة الميدانية وما صاحبها من شكايات بشأن ضعف البنيات الاستشفائية ونقص الموارد البشرية والتجهيزات البيوطبية.
جددت هذه الزيارة مطلب الساكنة المحلية بتعزيز العرض الصحي على مستوى المستشفى المدني بتطوان، الذي يشكل قبلة لمرضى تطوان والمدن والأقاليم القريبة والمجاورة، كما تعالت أصوات غاضبة ومنددة بتردي الوضع الصحي، مؤكدة أن المركز الاستشفائي المذكور يعيش حالة غير مسبوقة تنذر بكارثة في مقبل الأيام في ظل الخصاص الكبير الذي يعرفه في الموارد الطبية المختصة بسبب الاستقالات المتزايدة وإغراءات المصحات الخاصة.
نزيف مزمن
كشفت الدكتورة وداد أزداد عن أرقام دقيقة تبرز حجم النزيف الذي يعرفه مستشفى الحمامة البيضاء؛ إذ تقلص عدد أطباء الأطفال من أربعة أطباء إلى طبيبة واحدة فقط. وفي أمراض النساء والتوليد، انخفض العدد من ستة أطباء إلى ثلاثة، بينما تقلص اختصاص طب الدماغ والأعصاب من ثلاثة إلى طبيب واحد.
وأوضحت الطبيبة أزداد، ضمن منشور على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن هذا التراجع طال أيضا طب القلب والشرايين؛ إذ انخفض عدد الأطباء في هذا التخصص من أربعة إلى طبيبين، وتراجع العدد من ثلاثة إلى طبيب واحد في طب وجراحة العيون، فضلا عن جراحة الدماغ التي عرفت هي الأخرى تقلصا في عدد الاحتصاصيين من أربعة أطباء إلى طبيب واحد فقط، مشددة على أن عدد الأطباء المتخصصين في الأشعة لم يتبق منهم سوى طبيبين من أصل أربعة، وفي طب الأذن والحنجرة تقلص العدد من أربعة إلى طبيب واحد.
أما أطباء أمراض الكلى، وفق الطبيبة ذاتها، فانخفض عددهم من ثلاثة إلى طبيب واحد. وفي الإنعاش الطبي تقلص العدد من أربعة إلى طبيبين فقط، وهو ما يدفع الإدارة إلى الاستعانة بأطر من المضيق والفنيدق. كما يكتفي قسم الأمراض الجلدية بطبيب وحيد، بينما يغيب تخصص الجراحة التجميلية والتقويم تماما بعد مغادرة طبيبتين.
ولم تتوقف أزمة الخصاص عند مستشفى سانية الرمل وإنما طالت أيضا مستشفى الرازي للصحة العقلية، الذي يتوفر على طبيبة وحيدة تتحمل أعباء طبية وإدارية مضاعفة، وهو ما يجعلها على حافة الاحتراق الوظيفي، وفق الدكتورة أزداد التي سبق لها الاشتغال في مشفى تطوان.
وبين أطباء يغادرون القطاع العام بفعل الضغط المهني وقلة الإمكانيات، ومرضى يصطدمون بواقع المستشفى الفارغ، يظل السؤال مطروحا: إلى متى يستمر نزيف الموارد البشرية الصحية بتطوان ومن يتحمل مسؤولية هذا العجز الذي يدفع المواطن ثمنه من صحته وحياته؟
آمال معلقة
يعول التطوانيون والتطوانيات على مستشفى التخصصات الجهوي، الذي برزت بنايته شاهقة على مستوى الطريق الدائري، لتخفيف العبء عن مستشفى سانية الرمل وتجويد العرض الصحي، غير أن تأخر افتتاحه يثير أسئلة داخل الأوساط المحلية ومتتبعي الشأن العام.
كما تتطلع ساكنة تطوان إلى زيارة ملكية رسمية لافتتاح المؤسسة الاستشفائية الجديدة، على اعتبار أن حاجة المرضى باتت ملحة لا تحتمل التأجيل.
وبين وعود الوزارة وانتظار انطلاق العمل بالمستشفى الجهوي، يبقى الوضع الصحي بتطوان يئن تحت وطأة مرض عضال، في انتظار أن تتحول الزيارات الرسمية والالتزامات المعلنة إلى إجراءات عملية تخفف من معانات المرضى اليومية مع المرض ومع طوابير الانتظار.
في هذا الصدد، قال الداعية رضوان زرغيل إن الوضع الصحي بمدينة تطوان يزداد سوءا يوما بعد يوم، مؤكدا أن هذا الواقع صار معروفا لدى الجميع، من المواطن العادي إلى المسؤولين والقائمين عن الصحة، مضيفا أن زيارة واحدة غير كافية لتغيير هذا الواقع المرير، خاصة أن الوزير نفسه بدا مصدوما ومندهشا من حجم وهول ما جرى سرده على مسامعه من شكاوى المواطنين ومعاناتهم اليومية.
وأوضح الشيخ رضوان، في تصريح لهسبريس، أن الحل يكمن في تحرك الوزارة الوصية على القطاع الحيوي والاجتماعي بجدية ومسؤولية بعيدا عن المظاهر الرمزية أو الزيارات المؤقتة والعابرة، متمنيا أن يتم افتتاح مستشفى التخصصات الجهوي بالصورة المطلوبة وبما يتوافق مع الميزانية المخصصة له، وألا يكون مجرد بناية جديدة بدون أطباء كما يحدث في كثير من المشاريع.
أما آدم أفيلال، مدون فيسبوكي فاعل مدني، فقال إن مطلب جل ساكنة تطوان يتمثل في تسريع افتتاح مستشفى التخصصات الجهوي وتعزيزه بالموارد البشرية التمريضية والطبية المختصة، قصد الاستجابة للطلب المتزايد على خدمات التطبيب والرعاية والاستشفاء.
وأضاف أفيلال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مستشفى سانية الرمل أصبح متجاوزا، خاصة في ظل النقص الكبير الذي بات يعرفه في فئة الأطباء الاختصاصيين بشكل أصبح يزيد من عبء الحياة ومعاناة المرضى وذويهم.
المصدر: هسبريس