أمد/ لم يعد البحث عن الماء في غزة مجرد مشهد يومي، بل تحوّل إلى معركة بقاء يخوضها كل فرد من سكان القطاع. الأطفال يستيقظون عطشى، الأمهات يحملن أوعية فارغة من حي إلى آخر، والشيوخ يجلسون في طوابير طويلة على أمل الحصول على بضع لترات من مياه قد لا تكون حتى صالحة للشرب. هذه ليست مجرد تفاصيل عابرة، بل صورة قاتمة لواحدة من أخطر الأزمات الإنسانية التي تضرب غزة اليوم.
وفق التقارير الأخيرة، فإن أكثر من 85% من شبكات المياه والصرف الصحي معطلة أو مدمرة. النتيجة كارثية: مياه ملوثة، انتشار الروائح الكريهة، ومخاطر صحية تهدد حياة الجميع، خاصة الأطفال. لكن وسط هذا المشهد، يزداد غضب الناس ليس فقط على القصف والحصار، بل أيضاً على قياداتهم التي لم تفعل شيئاً لحماية هذه المرافق الحيوية.
الكثير من المواطنين يتحدثون بصراحة: منشآت المياه تحوّلت إلى أهداف عسكرية، لأنها استُخدمت أو تُركت لتُستخدم لأغراض لا علاقة لها بحياة المدنيين. والنتيجة أن محطات الضخ ومحطات المعالجة أصبحت بين نارين، فيما يدفع السكان الثمن يومياً. “لماذا نُعاقب نحن؟” يتساءل أبو محمد، وهو أب لأربعة أطفال، مضيفاً: “من حقنا أن نشرب ماء نظيف، لكننا نجد أنفسنا بلا ماء ولا صرف صحي، بينما يتجادل القادة على طاولاتهم.”
المرارة التي يشعر بها الناس اليوم تتجاوز حدود الغضب العابر. هناك إحساس متزايد بأن أرواح المدنيين تُترك للمجهول، وأن أولويات القيادات ليست حماية الحياة اليومية للناس بل حسابات أخرى. في النهاية، من يدفع الثمن هم الفقراء، النساء، الأطفال، والمرضى.
في غزة، لا أحد يطلب المستحيل. ما يطالب به الناس بسيط جداً: ماء نظيف، صرف صحي، حياة كريمة بعيداً عن الروائح الكريهة والأوبئة. لكن هذا “البسيط” يبدو اليوم أعقد مما ينبغي، في ظل حرب مستمرة وصمت قيادي أثقل من القصف نفسه.
أصوات الغزيين اليوم تحمل رسالة واحدة: إذا كانت السياسة لا تستطيع أن توفر لنا الأمان، فلتوفر لنا على الأقل الماء. فالعطش والمرض لا يعترفان بالحدود ولا بالشعارات.