أمد/ في خطابه الأخير، شدّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على أن القضية الفلسطينية ستظل في قلب أولويات المملكة حتى ينال الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية. وجاءت كلمة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتؤكد هذا الموقف، إذ أعلن أن السعودية «شكّلت مسارًا تنفيذيًا واضحًا يُفضي إلى حل الدولتين»، معتبرًا أن إنهاء العدوان على غزة ووقف الانتهاكات الإسرائيلية هو المدخل الضروري لتحقيق السلام العادل.

هذا الثبات المبدئي ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد تاريخي منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، الذي خاطب الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1945 محذّرًا من مخاطر المشروع الصهيوني، ومؤكدًا أن العرب «سيختارون الموت بدل تسليم أراضيهم». ومنذ ذلك الحين، لم تحِد المملكة عن خطها الاستراتيجي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.

لقد ترجمت السعودية هذا الموقف عبر مبادرات مفصلية: من خطة الملك فهد عام 1981 التي أرست أساس الانسحاب الكامل مقابل السلام، إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبد الله عام 2002، والتي تبنّتها القمة العربية في بيروت بالإجماع، فشكّلت مرجعية عربية ودولية للحل العادل والشامل. جوهر المبادرة واضح: الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967، إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية.

ولم تكتفِ السعودية بطرح المبادرات، بل واصلت العمل الدبلوماسي المكثف لتثبيتها على أجندة المجتمع الدولي، فدعمت مؤتمرات دولية للتسوية، وأطلقت تحالفات سياسية ومالية لدعم السلطة الفلسطينية. ومن الأمثلة الأخيرة إعلانها المشاركة في تحالف مالي دولي لتأمين الدعم المالي المستدام للسلطة، بما يعكس جدية المملكة في تحويل المبادئ إلى أدوات تنفيذية على الأرض.

إن الموقف السعودي اليوم يكتسب أهمية استثنائية في ظل التحولات الإقليمية والدولية، فبينما تسعى أطراف إلى فرض حلول منقوصة أو تجاوز الحق الفلسطيني تحت ذرائع إنسانية أو أمنية، تقف المملكة بصلابة لتؤكد أن لا سلام ولا استقرار دون الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة.

فالحلول المؤقتة والجزئية ليست سوى وصفات لتعميق الأزمة وإطالة أمدها.

لكن الطريق ليس سهلاً، إذ تعترضه عقبات خطيرة: التمدد الاستيطاني الإسرائيلي الذي يلتهم الأرض، سياسة الضم والتهويد، الانقسام الفلسطيني الذي يضعف القدرة على التمثيل الموحد، فضلاً عن الضغوط الدولية التي تحاول الالتفاف على قرارات الشرعية الدولية.

ومع ذلك، يبقى الثبات السعودي على هذا الخط عنصر توازن وأمل لشعبنا الفلسطيني، وضمانة لإبقاء القضية حيّة في وجدان العالم.

إن رسالة المملكة اليوم، كما كانت بالأمس، واضحة وصريحة: فلسطين ليست ورقة تفاوض عابرة، بل قضية مركزية لا مساومة عليها، وبدعمها السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، وبمكانتها الدينية والقيادية، تواصل السعودية حمل راية العدالة للشعب الفلسطيني، حتى تتحقق غايته في الحرية والعودة وتقرير المصير، والاستقلال وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف.

شاركها.