تجنيد نساء سودانيات عسكرياً ليس بالأمر الغريب، فهن موجودات ضمن أدوار عديدة، لكن النظرة تختلف بشأن مشاركتهن في القتال المباشر.
كمبالا: التغيير
مشاهد التخريج العسكري لدفعات من “المستنفرات” في مناطق سيطرة الجيش السوداني، إلى جانب تداول صور سيدات يرتدين زي قوات الدعم السريع، وظهور مقاتلات في مناطق مشتعلة مثل الفاشر، أعادت فتح النقاش حول موقع النساء السودانيات في الحرب الدائرة، وهل يمثل حضورهن الميداني واقعًا حقيقياً أم مجرد أداة للدعاية السياسية واستعراض القوة؟!.
التاريخ السوداني القديم يُظهر أن مشاركة النساء في المجال العسكري ليست ظاهرة جديدة، فالأميرة مندي بنت السلطان عجبنا الثالث عشر، على سبيل المثال، خاضت معارك ضد الاستعمار الإنجليزي لحماية مصادر المياه في منطقتها وهي تحمل طفلها الرضيع على ظهرها.

استخدام دعائي
رغم ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية د. إبراهيم كباشي أن تجنيد النساء في المؤسسات العسكرية قضية معقدة تجمع بين البعد التاريخي والثقافي والسياسي، مشيرًا إلى أن الكلية الحربية وغيرها من المؤسسات العسكرية لا تستوعب النساء بالكامل لأسباب دينية وموروثة، رغم الدور المهم الذي تلعبه المرأة في الإسناد الطبي والإعلامي والاجتماعي والتربوي.
وأضاف في مقابلة مع (التغيير) أن الأطراف المتحاربة تحاول إنشاء معسكرات مفتوحة للنساء، مستفيدة من مكانتهن الاجتماعية لدعم الفعل العسكري سواء مع القوات المسلحة أو المجموعات المساندة للدعم السريع، موضحًا أن هذا الاستخدام غالبًا ما يندرج ضمن الحرب النفسية والدعاية السياسية.
فيما أكد الخبير الإعلامي يوسف سعد في حديثه لـ (التغيير) على هذا البعد الدعائي، مشيرًا إلى أن إبراز السيدات ضمن الصفوف العسكرية للدعم السريع يعزز صورة الأخير كقوة حديثة ويهدف إلى إيصال رسائل نفسية للخصوم والجمهور، في حين أن المشاركة الواقعية غالبًا ما تقتصر على أدوار لوجستية ومساندة تشمل التمريض والإمداد والتعبئة الإعلامية.
بدورها، أوضحت الناشطة الحقوقية، رئيسة منظمة “لا لقهر النساء” أميرة عثمان أن تجنيد النساء ليس بالأمر الغريب، فهن موجودات في الدفاع الشعبي والأمن والشرطة، وحتى في الجيش ضمن أدوار مثل سلاح الموسيقى، ويحصل بعضهن على رتب وفق القبول الفني، لكنهن لا يشغلن مناصب قتالية.
أدوار استخباراتية
ويختلف المتحدثون حول نطاق مشاركة النساء في القتال المباشر. فبينما أكدت أميرة أن معظم النساء يعملن في أدوار غير قتالية، أشار كباشي إلى وجود حالات محدودة يتم فيها تأهيل النساء لأدوار استخباراتية أو جمع معلومات، ما يزيد من فاعلية توظيفهن سياسيًا وإعلاميًا على المستويين الإقليمي والدولي، بهدف إظهار مشاركة المرأة ودعمها للحرب.
فيما أكد سعد، وجود شواهد محدودة على المشاركة المباشرة في القتال، مشيرًا إلى أن المرأة السودانية تاريخيًا لعبت أدوارًا بارزة في المجال العسكري والسياسي، سواء عبر مشاركتها في الحركات المسلحة بدارفور وجنوب كردفان أو في الثورات والاحتجاجات الشعبية، ما يجعل تدريب النساء عسكريًا مقبولًا رمزياً وثقافيًا في بعض الأوساط.

مخاطر العسكرة والدفاع عن النفس
لكن كباشي حذر من تناقض أساسي، إذ أن النساء الأكثر استعراضًا في الإعلام هن الأكثر تعرضًا للانتهاكات من قبل الأطراف المتحاربة. كما اعتبر أن عسكرة النساء تشكل مخاطر استراتيجية غير مرئية على الأجيال القادمة، إذ تساهم في إعادة إنتاج قيم العسكرة لدى الشباب، وقد تؤدي إلى حوادث اجتماعية أو عنف مسلح إذا ما تم توظيف العنصر النسائي في صراعات مناطقية أو عرقية، ما يزيد من تعقيد مسارات بناء السلام والمصالحة.
لكن أميرة اعتبرت أن حمل بعض النساء في الفاشر للسلاح كان نتيجة خيار صعب بين القتال أو الهلاك، بما يشكل حق الدفاع عن النفس والحياة، خاصة في ظل تعرض بعضهن للتعذيب والقتل كما حدث مع قسمة التي صلبت وعذبت حتى الموت على يد الدعم السريع على حد قولها.
لا استغلال وتكافؤ في الحقوق
في المقابل، أكد القيادي في تحالف تأسيس، مستشار القائد العام لقوات الدعم السريع إبراهيم مخير، أن حكومة نيالا لا تستغل النساء ولا تميز بينهن وبين الرجال حسب وصفه، وأن جميع المجالات سواء الصحية أو الاجتماعية أو المدنية أو العسكرية، متاحة للنساء على أساس الكفاءة والرغبة والحالة الصحية.
وأضاف في إفادة لـ(التغيير) أن المرأة التي تشعر بالكفاءة واللياقة البدنية يمكنها العمل في أي مجال وتحصل على راتب وحقوق مساوية للرجل، مشيرًا إلى أن دستور التأسيس يسعى لتمكين المرأة بعد سنوات من التهميش وفق المادة 23 من الميثاق.
وأوضح مخير أن حكومته لا تفرض خدمة إلزامية على الرجال أو النساء، ولا تضع المواطنين أمام خيارات صفرية، مؤكدًا أن النساء العاملات في القوات النظامية يقدمن خدماتهن بتفانٍ سواء في القتال أو العلاج أو البناء والإعمار، دون أن تحدهن الصور النمطية القديمة، مع الحفاظ على المساواة الكاملة بين المواطنين والمواطنات كما ورد في المبدأ الثامن من ميثاق التأسيس.
المصدر: صحيفة التغيير