ماذا كان بنيامين نتنياهو المطلوب لـ»الجنائية الدولية» يتوقّع من وقوفه للخطابة على منبر الأمم المتحدة التي وصفها أكثر من مرّة بأنها معادية لكيانه المحتل؟
يبدو أنه لا يزال يتقمّص شخصية الساحر، والقائد التاريخي الملهم، القادر على تضليل قادة العالم الذين خاطبهم بلغة فوقية، على أنه المدافع الشجاع عن مصالحهم، وحضارتهم «الغربية»، قبل أن يذكّر قادة العالم الحرّ بفضائله عليهم وعلى بلدانهم، كان قد اعترف، بأن التأييد العارم والشامل الذي حظي به بداية حربه العدوانية قد تبخّر تماماً.
يعترف نتنياهو بالعزلة فالقاعة الكبيرة تشهد على ذلك، حين لم يبقَ فيها سوى عدد قليل، وفي شرفتها عدد من الموالين لأداء غرض التصفيق.  
ما زال يعتقد أن قادة العالم، يمكن أن يصدقوا سرديّته، التي اعترف هو بعظمة لسانه أنه خسرها لصالح السرديّة الفلسطينية، أو أنهم يمكن أن يصدقوا، ما أجمع العالم ومؤسسات الأمم المتحدة على الإقرار به من اتهامات بجرائم إبادة وتجويع.
هذه العزلة، جعلت نتنياهو يركّز كثيراً على علاقته بالولايات المتحدة الأميركية، ويغدق على رئيسها دونالد ترامب المزيد من المدائح، التي يستحقها فعلاً، لأنه الوحيد الذي وقف ولا يزال إلى جانب حربه الهمجية وأهدافه الخبيثة.
الأغرب حديثه المطوّل عن الإنجازات التي حققها جيشه في حروبه على ما قال إنها سبع جبهات، وهو حديث وادعاءات لم تُقنع الكثير من النخب الأمنية والسياسية، والثقافية الإسرائيلية.
هل فعلاً بإمكان نتنياهو الادعاء بأنه نجح في إلحاق هزيمة كاملة وحاسمة ضد المقاومة في قطاع غزّة، بعد سنتين حشد خلالهما مئات آلاف العسكر، وجنّد لها كل إمكانياته وإمكانيات حلفائه من أدوات القتل والتدمير؟
لقد نجح جيش الاحتلال في توجيه ضربات موجعة للمقاومة، ولكنه لم ينجح في تصفيتها.
ونجح، أيضاً، في تدمير القطاع، من أبنية، وبنى تحتية، ومستشفيات، وجامعات، ومدارس، ومساجد، وآليات، وآبار مياه، ونجح في تجويع سكان القطاع حتى الموت، لكنه فشل في تهجيرهم، ولم يتمكن من رؤيتهم يرفعون الرايات البيضاء، استسلاماً، أو إقراراً بالهزيمة.
نجح نتنياهو، في إلحاق هزيمة تاريخية فادحة بالسرديّة الإسرائيلية حتى بات يعتقد أن تخصيص المزيد من الأموال يمكن أن يساعد في ترميم صورتها.
لا يريد نتنياهو أن يفهم أن هزيمة السرديّة الإسرائيلية التي سادت لعقود طويلة، لا تتصل بموجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، أو بتوقف حلفائه «الغربيين» عن تقديم الدعم له، وإنما بالتغييرات الواسعة والعميقة في رؤية الرأي العام العالمي لما تمثله دولة الاحتلال، بما في ذلك في أميركا، حليفتها الوحيدة المتبقية إلى حين.
ربما يستطيع في وقت ما، أن يرمّم علاقاته مع بعض الأنظمة «الغربية» ولكنه لا يمكن أن يوقف التأثيرات السلبية، الناجمة عن التغييرات في الرأي العام، خصوصاً جيل الشباب.
هل نجح في أن يسوّق الصورة، الباهية لجيشه الأكثر أخلاقية في العالم، أم أنه قدم للعالم الصورة الحقيقية لكيانه وجيشه الذي يرتكب جرائم حرب، وجرائم إبادة وتجويع، وجرائم ضد الإنسانية؟
قال نتنياهو إنه سيفرج عن الرهائن الإسرائيليين، من خلال الضغط العسكري الشديد، ولذلك فإنه أفشل كل المبادرات التي تقدم بها الوسطاء، بما في ذلك ما كانت قدمته أميركا، فهل حقق ذلك؟
هل تمكن فعلاً من تحقيق أهداف الحرب ضد لبنان، حتى لو أنه تمكن من إلحاق خسائر فادحة بـ»حزب الله» اللبناني؟
نعم نجح نتنياهو وجيشه في احتلال أجزاء من جنوب لبنان، وهو يواصل عدوانه ولكن هل تمكن من إعادة المستوطنين إلى الشمال؟
هل انتهى الأمر في الجبهة اللبنانية، رغم الضغوط التي يتعرض لها لبنان، من قبل أميركا وآخرين، لإغراق الأخير في حرب أهلية، أو التسليم اللبناني بما تفعله وما ترغب في فعله دولة الاحتلال من إغلاق هذه الجبهة، واستسلامها؟
جبهة لبنان لا تزال مفتوحة، وتهدد سياسات الدولة العبرية بانفجار الأوضاع مرة أخرى على نطاق واسع، بعد أن اتضح للبنانيين الخديعة التي ينطوي عليها التدخل الأميركي، الذي يعترف مبعوث ترامب، أن بلاده لا تقدم أي ضمانة، ويعترف بأن دولة الاحتلال ليست في وارد الانسحاب من جنوبه.
الجبهة مفتوحة، أيضاً، مع «جماعة أنصار الله» «الحوثيين» اليمنية، التي تواصل حصارها البحري والجوي، وتطلق الصواريخ والمسيّرات، التي تجبر ملايين الإسرائيليين على الهروب إلى الملاجئ.
يواصل «الحوثيون» دورهم المساند للفلسطينيين، رغم ما يتحمّلونه من أذى وخسائر، ولا يبدو أنهم بصدد التفكير بالتوقف طالما استمرت الحرب العدوانية الهمجية على غزّة.
هل نجح نتنياهو في إرغام الحكومة الانتقالية الجديدة في سورية، على رفع الرايات البيضاء، والتسليم بالشروط الإسرائيلية، واستمرار احتلال أجزاء جديدة من سورية؟
بالرغم من اللغة التصالحية، للحكومة الانتقالية الجديدة في سورية، واستعدادها لإبرام اتفاقيات أمنية مع دولة الاحتلال، والتزامها بعدم إطلاق رصاصة واحدة ضد الأخيرة، فإن لا أحد يمكنه أن يتبلع الشروط الإسرائيلية مهما كان الثمن، خصوصاً أن الأهداف الإسرائيلية تتعدّى الاحتلال إلى اللعب في الساحة الداخلية السورية، ونحو تقسيمها.
ثم هل نجح القصف الإسرائيلي الأميركي، في إسقاط النظام الإيراني أو إرغامه على رفع الرايات البيضاء، كما أراد ترامب، أم أن النظام بات أكثر استعداداً لمواجهة قادمة تبدو حتمية؟
ثم أخيراً، فقد نجح نتنياهو، في قطع الطريق أمام إمكانية توسيع «اتفاقيات أبراهام»، وبدلاً من ذلك، رفع مستويات الحذر لدى دول الخليج، للبحث عن خيارات وتحالفات لحماية نفسها، بعد أن اتضح أن عدوهم وعدو العرب الرئيس هو دولة الاحتلال التي قصفت قطر، وهدّد زعماءها بمعاودة الكرّة.
لقد سقطت العنجهية الإسرائيلية، وبات على دولة الاحتلال أن تحصد الثمار المرّة، لهذا الاستعلاء والغطرسة.

شاركها.