أمد/ باريس: أحدث الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية من قِبل باريس صدمة كبيرة في العلاقات الفرنسيةالإسرائيلية، التي كانت متوترة بالفعل بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
ويتوقع مراقبون أن تتخذ تل أبيب عقوبات تجاه باريس خلال الأيام المقبلة، ما قد يعيد اختلال التوازن في العلاقات بين البلدين، دون أن يلحق أضرارًا عميقة بالدبلوماسية الفرنسيةالإسرائيلية.
تسونامي دبلوماسي
وفق ما ذكرته قناة “بي إف أم“، تعتبر إسرائيل الاعتراف الفرنسي بمثابة تسونامي دبلوماسي.
ونقلت القناة عن الباحث ديفيد ريجوليهروز، من المعهد الفرنسي للتحليل الإستراتيجي والمتخصص في الشرق الأوسط، قوله: “نتنياهو يحمّل ماكرون المسؤولية عن موجة الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين، بعد أن تبعت كل من: بلجيكا، ولوكسمبورغ، ومالطا، وأندورا، وموناكو، خطوة فرنسا، الإثنين 22 سبتمبر؛ وقبلها: بريطانيا، وكندا، وأستراليا، والبرتغال”.
أما المؤرخة والمتخصصة في إسرائيل والعلاقات الدولية، فريديريك شييلو، فقالت: “فرنسا وإسرائيل تمران بأسوأ أزمة في تاريخهما؛ إسرائيل، الرافضة تمامًا لفكرة الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، حذّرت قبل الإعلان الرسمي بأنها لن تبقى صامتة”.
وفي أول رد فعل رسمي، قال نتنياهو، الأربعاء، “لا شيء يلزم إسرائيل… الخضوع المخزي لبعض القادة للإرهاب الفلسطيني لا يلزم إسرائيل بأي شكل؛ لن تكون هناك دولة فلسطينية”، في تصريح يعكس موقفه الرافض للاعتراف.
خيارات تل أبيب
يمكن لتل أبيب أن تستخدم عدة أدوات للتعبير عن غضبها، منها استدعاء سفيرها من فرنسا، أو عدم تجديد تأشيرات الدبلوماسيين الفرنسيين في القدس، أو حتى إغلاق القنصلية الفرنسية هناك، التي تعمل كنقطة اتصال مع الفلسطينيين بشكل شبه مستقل عن السفارة الفرنسية بتل أبيب.
وصرحت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية شارين هاسكل، في بداية سبتمبر/أيلول، لقناة “فرانس إنفو” بأن هذا الخيار “موجود على طاولة رئيس الوزراء”.
من جهتها، حذّرت شييلو من احتمال اتخاذ إجراءات أكثر جدية، من شأنها أن تضر بصورة فرنسا في المنطقة، كما يمكن أن تتوقف إسرائيل مؤقتًا عن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع فرنسا، وهو ما سيكون له أثر كبير على مكافحة الإرهاب.
الرد الفرنسي
من جهتها، تؤكد وزارة الخارجية الفرنسية أنها لم تتلقَ أي إشعار رسمي من السلطات الإسرائيلية حتى الآن، لكنها مستعدة للرد بحزم إذا حدث ذلك.
وأوضح المتحدث باسم الوزارة، باسكال كونفافرو، أن فرنسا “سترد بقوة كبيرة إذا تم اتخاذ أي إجراء ضد مصالحها”.
أما الرئيس ماكرون، فيسعى إلى إبقاء الأمور هادئة، مؤكدًا أن فرنسا ملتزمة بشراكتها مع إسرائيل كدولة صديقة، وأن أي رد فعل عدواني سيكون “ضارًا وغير منتج”.
وأضاف في مقابلة حصرية مع “بي إف أم”: “نقترح طريقًا للسلام، وهذا لا يعني القيام بردود فعل عدائية… سيكون ذلك مضرًا تمامًا”.
ويشير المسؤول الفرنسي عوفر برونشتاين، المكلف بتقريب وجهات النظر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلى أن أي خطوة إسرائيلية لن تتم دون موافقة الولايات المتحدة، الحليف الرئيس لإسرائيل.
استعادة الهدوء
الباحث ديفيد ريجوليهروز يرى أن الأزمة بين ماكرون ونتنياهو قد تخلق تأثيرًا مؤقتًا على طبيعة العلاقات، لكنها لا تهدد الأساس التاريخي للعلاقة الفرنسيةالإسرائيلية.
وأضاف: “أكدت فرنسا، مرارًا، دعمها لأمن إسرائيل، بما في ذلك بعد أحداث 7 أكتوبر، عندما كان ماكرون من أوائل الزعماء الذين شددوا على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
وتؤكد شييلو أن الأزمة الحالية ليست كافية للتأثير على المدى الطويل، وأن طبيعة العلاقات غالبًا ما تتجاوز الخلافات الشخصية بين القادة؛ بمجرد مغادرة هؤلاء القادة المشهد السياسي، ستتمكن الدبلوماسيات من استعادة الهدوء بسهولة أكبر.
وأكد مصدر دبلوماسي للقناة أن الاتصالات بين فرنسا وإسرائيل “مستمرة ولم تتوقف أبدًا”، ما يعكس رغبة الطرفين في الحفاظ على الحوار رغم الأزمة الراهنة.