أطياف
صباح محمد الحسن
طيف أول:
في زاوية لم تنكمش، لم ينل من تجاعيدها ضوء الصباح، تكوّر الوقت، وأنجب قلق الانتظار!!
ومنذ أن أصدرت المجموعة الرباعية الدولية بيانها الداعي إلى وقف الحرب في السودان، متضمّنًا جدولًا زمنيًا لإنهاء الكارثة الإنسانية، ومؤكدةً عدم اعترافها بوجود سلطة شرعية في البلاد، لم تهدأ وتيرة التصريحات الصادرة عن الإدارة الأميركية، والتي تعكس عزمها على اتخاذ خطوات حاسمة لتنفيذ رؤيتها بشأن الأزمة.
وأمس الأول، أعلن السيد مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، وفقًا لما نقلته وكالة بلومبرغ، أن الأطراف المتنازعة في السودان باتت أقرب إلى الدخول في محادثات مباشرة تهدف إلى إنهاء واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تفاقمًا على مستوى العالم. وأوضح بولس أن واشنطن تجري حوارات مع كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بغية التوصل إلى مبادئ عامة تؤسس لمسار تفاوضي.
وأضاف “الوضع الراهن يُظهر أن أياً من الطرفين لا يملك اليد العليا، مما يجعلهما أكثر استعدادًا للجلوس إلى طاولة الحوار. ونأمل أن نتمكن من الإعلان عن ذلك قريبًا”.
كما صرّح أمس بقوله “اجتمعت مع قادة من الاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، والاتحاد الأفريقي، في الاجتماع الوزاري المشترك للجهود المشتركة لخفض التصعيد في السودان. ونعمل بشكل عاجل لإنهاء الصراع، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، ودعم عملية سلام مستدامة يقودها مدنيون”.
وتحمل هذه التصريحات في طياتها دلالات سياسية بالغة الأهمية، أولها أن بيان الرباعية لا يُعد مجرد إضافة إلى سلسلة البيانات السابقة، بل يمثل نقطة تحول نحو إجراءات عملية ملموسة.
كما تؤكد تصريحات بولس أن الاتصالات والمشاورات قد بدأت فعليًا لجمع طرفي النزاع على طاولة واحدة، وهو ما يُستدل عليه من قوله “نجري مناقشات مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع”، مما يدل على أن الإدارة الأميركية على تواصل مباشر مع الطرفين، رغم عدم صدور أي إعلان رسمي من قبلهما، وهو ما يُفهم منه قبول ضمنياً بمبدأ التفاوض.
ثانيًا: يبرهن ذلك أن الإدارة الأميركية قد خلصت إلى أن قرار وقف الحرب لا يكمن حصريًا في يد قيادتي الجيش والدعم السريع، وهو ما يعكس توجهًا أميركيًا نحو لعب دور الطرف الثالث الفاعل في صناعة السلام، مما يفسر تأكيد الرباعية على غياب السلطة الفعلية في البلاد.
وفيما يتعلق بتصريح بولس “نأمل أن نتمكن من الإعلان عن شيء ما قريبًا”، فإن هذا التعبير يوحي بأن ثمة تحضيرات تجري خلف الكواليس، ما يفتح الباب أمام احتمال صدور إعلان مفاجئ بشأن بدء التفاوض بين الطرفين، سيما أن تصريحات الإدارة الأمريكية تأتي بوتيرة متسارعة، ما يعكس توجّهًا نحو بلورة حل دولي خالص للأزمة، يُحتمل أن يُفرض على الأطراف المعنية، دون أن ينبع من إرادة ذاتية.
ولو أن خيار التفاوض حظي بمباركة من صانع القرار، فإن التصريحات حول الاتجاه إلى السلام ستصدر من كلا الطرفين، متجاوزة في تأثيرها الصوت الأمريكي، باعتبار أن الأزمة سودانية المنشأ، وتُدار أدوات الحرب فيها من قبل طرفين سودانيين.
لذلك كلما تصدّر السيد مسعد بولس مشهد التصريحات، وتراجع الخطاب العسكري دون إعلان رفض صريح، فإن ذلك يُعد مؤشرًا على أن خيار السلام يُطرح كمسار إلزامي لا كخيار تفاوضي حر.
كما أن الإفصاح المتكرر من قبل الإدارة الأمريكية عن خطوات في هذا الاتجاه، يُظهر أن حكومة الرئيس ترامب قد اختارت تجاهل الموقف الرسمي للحكومة السودانية.
ويُستدل من هذا التوجه الدولي أن المجتمع الدولي بات يرى أن الاستمرار في انتظار توافق الأطراف دون اتخاذ خطوات حاسمة، لا يؤدي إلا إلى تفاقم الكارثة الإنسانية، وإطالة أمد الحرب والجوع، وهو ما يستدعي تحركًا عاجلًا يتجاوز منطق التردد، ويضع مصلحة الشعب السوداني في صدارة الأولويات.
طيف أخير
اشتكى عدد من مواطني ولاية الجزيرة من ظلم حكومتها لهم، التي تقطع الكهرباء عمدًا عن أكثر من مئة قرية، وتتركها تعيش في الظلام منذ استيلاء الجيش على الولاية. وقد عادت القرى إلى شراء المولدات عبر أبنائها في دول المهجر، وقد ترى الحكومة أن تلك القرى كانت مناطق سيطرة لقوات الدعم السريع، ولذلك تعاقب سكانها بقطع الكهرباء!! فهذه حكومة الأمل ألا ترى عينك حتى النور!!
المصدر: صحيفة التغيير