في مقابل محادثات مع وزير خارجية الجزائر تفادت مستجدات ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، المقرر أن تُطرح للنقاش في مجلس الأمن الأممي بحلول أكتوبر القادم، جددت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، التزام واشنطن الثابت بدعم سيادة المغرب على الصحراء.

جاء ذلك عقب لقاء عقده بولس بنيويورك مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، مرسخاً الإجماع الدولي المتزايد حول مخطط الحكم الذاتي كـ”أساس وحيد من أجل حل عادل ودائم” لهذا النزاع الإقليمي.

اللافت للانتباه، بحسب متابعين ومحللين تحدثت إليهم جريدة هسبريس، هو إعادة التأكيد من طرف المسؤولين في واشنطن على أهمية الاستثمارات الأمريكية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، في ظرف أقل من أسبوع؛ إذ أكد بولس، مغردا على حسابه في منصة “إكس”، أن اللقاء (مع بوريطة) مثّل فرصة لمناقشة سبل تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة، واستكشاف فرص الاستثمار التي يمكن أن توفرها الشركات الأمريكية في مختلف مناطق المملكة، بما فيها الأقاليم الجنوبية، لافتا إلى أن “واشنطن تتطلع إلى تسريع المسار السياسي بما يخدم الاستقرار الإقليمي ويضمن مصالح الطرفين”.

وأوضح المستشار الأمريكي لشؤون القارة الإفريقية أن التعاون بين البلدين يمتد إلى مختلف المجالات الاقتصادية والاستثمارية، مشيرا إلى أن “الأفق السياسي المفتوح والبيئة الاستثمارية المستقرة في المغرب يوفران أرضية خصبة لتعميق العلاقات الثنائية”، وخاتما بأن الشراكة الأمريكية المغربية ستظل قوية ومتواصلة، بما يعكس التزام الولايات المتحدة بدعم جهود المملكة في تحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة.

صلابة الموقف

محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز ابن رشد للدراسات الجيوسياسية وتحليل السياسات، قرأ في “تجديد المستشار الخاص للرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية، مسعد بولس، التأكيد على دعم واشنطن لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية مؤشراً عاكساً لثبات الموقف الأمريكي تجاه هذا النزاع الإقليمي”، وقال: “الموقف لا يقتصر على تجديد تأكيد الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بل يرسخ مبادرة الحكم الذاتي كالحل الوحيد القابل للتطبيق واقعيا”.

وبحسب نشطاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، فهذا التأكيد “يكتسب أهميته في سياق اقتراب صدور قرار جديد عن مجلس الأمن أواخر أكتوبر المقبل، ما يوجه إشارة قوية إلى المجتمع الدولي والفاعلين الإقليميين بأن واشنطن ماضية في موقفها دون تراجع”، وأضاف شارحا أن “الدعم الأمريكي وإن كان متسمًا بقدر من براغماتية الرئيس الأمريكي في تعامله مع الجارة الشرقية للمغرب يتأثر بالمعطيات الجيوإستراتيجية في المنطقة، ولاسيما مع الجزائر التي تسعى واشنطن إلى الحفاظ على قنوات مصالح معها؛ ومع ذلك فإن الرسائل الموجهة من نيويورك تؤكد بوضوح أن الاعتراف بمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي يمثل قاعدة صلبة في السياسة الأمريكية، وهو ما يعزز موقع المغرب في أيّ مفاوضات أو مشاورات مستقبلية”.

وزاد أستاذ العلاقات الدولية مبرزا بعدا اقتصاديا غير خافٍ في طيّات الموقف الأمريكي، مستحضرا أنه في الأسبوع نفسه سبَق لمسؤولين أمريكيين، من بينهم نائب وزير الخارجية كريستوفر لانداو، أن أشاروا إلى منح تراخيص للشركات الأمريكية للاستثمار في الأقاليم الجنوبية، معلقاً: “يبرز هذا البعد في ضوء ما يوفره المغرب من فرص إستراتيجية في الصحراء، خصوصًا مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، إلى جانب الطاقات المتجددة، كالطاقة الريحية والشمسية والهيدروجين الأخضر”.

وعلى هذا الأساس يتضح، وفق المصرح للجريدة، أن واشنطن لا تكتفي بتثبيت موقف سياسي داعم للمغرب، بل رفعت رهانات موقفها للنظر للصحراء كمنصة اقتصادية ذات بعد قاري، مردفا: “الولايات المتحدة تنظر إلى المغرب باعتباره شريكا محوريًا في المبادرات الإفريقية الكبرى، من أنبوب الغاز النيجيريالمغربي إلى مبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، وصولًا إلى فتح منافذ جديدة لبلدان الساحل والصحراء على الأطلسي؛ وهذا ما يجعل الدعم الأمريكي لمغربية الصحراء جزءًا من رؤية إستراتيجية أشمل، تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد والمصالح بالشراكات الجيوإستراتيجية”.

“رسائل الحسم”

يؤكد لحسن أقرطيط، أستاذ جامعي متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية، أن قراءة “تغريدة بولس” لا يمكن أن تتم إلا من منظور “تجديد واضح” لثبات الموقف الأمريكي تجاه الصحراء المغربية.

ويرى أقرطيط، في حديثه لهسبريس، أن الموقف المعبر عنه “تأكيدٌ على أن الاعتراف بمغربية الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي باتا يشكلان ثابتة في السياسة الخارجية الأمريكية”، خاصة على مستوى مقاربتها الإفريقية.

وسجل المتحدث ذاته أن “هذا الموقف يوجه رسائل متعددة: أولًا إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة باعتباره موقفا نهائيًا لا رجعة فيه؛ ثانيًا إلى الأطراف الإقليمية، وخصوصا الجزائر، بأن واشنطن تعتبر الحكم الذاتي الحل الوحيد لإنهاء النزاع؛ وثالثًا إلى المستثمرين الأمريكيين والأفارقة على السواء بأن الأقاليم الجنوبية المغربية أصبحت فضاءً آمنا ومستقرًا للتعاون الاقتصادي المشترك”.

واعتبر الخبير في العلاقات الدولية أن “المقاربة الأمريكية تنطلق من حسابات إستراتيجية كبرى، إذ وضعت واشنطن المغرب في موقع مماثل لحلفاء رئيسيين خارج الناتو مثل كوريا الجنوبية في آسيا، وبولندا في أوروبا، وكولومبيا في أمريكا اللاتينية”، مضيفا: “هذا التصنيف يعكس الوزن السياسي والأمني للمغرب في شمال وغرب إفريقيا، ويؤكد أن الشراكة معه تتجاوز البعد الدبلوماسي لتشمل التعاون العسكري والأمني والاقتصادي، ما يجعل الموقف الأمريكي بشأن الصحراء جزءا من رؤية أشمل لتعزيز الاستقرار الإقليمي”.

واقتصاديا، أكمل المصرح للجريدة تعليقه بقوله إن “واشنطن تعمل حاليا على تثبيت هذا الموقف عبر تشبيك المصالح مع المغرب، سواء من خلال الغلاف المالي المعلن للاستثمارات في الأقاليم الجنوبية، والمحدد في 5 مليارات دولار، أو عبر الاعتراف بملاءمة السياسة المغربية في مجال الصيد البحري للمعايير الأمريكية، بما يمهّد لتفاهمات واتفاقيات جديدة في هذا القطاع”، وزاد: “إضافة إلى ذلك يُنظر إلى المغرب كنموذج استثماري واعد في مجالات صناعة السيارات والطائرات والقطار السريع وبناء السفن، ما يجعله بمثابة ممر (Corridor) صناعي وتجاري يعزز مكانته كبوابة لإفريقيا”.

وختم أقرطيط: “يتبيّن من ثبات الموقف الأمريكي تجاه ملف الصحراء أنه صار خيارا إستراتيجيًا راسخا بإجماع مختلف مؤسسات الولايات المتحدة وممثليها الدبلوماسيين أممياً وإقليميا (بمن فيهم سفيرتها في الجزائر)، بما يعكس اقتراب النزاع من الحسم الأممي لصالح السيادة المغربية”.

المصدر: هسبريس

شاركها.