منتدى الإعلام السوداني
بورتسودان، 27 سبتمبر 2025، (سودان تربيون) بعد أربعة أيام على وفاة والدتها، عثرت سلوى على علبة الدواء التي كانت تستخدمها لعلاج الملاريا. نظرة خاطفة على تاريخ انتهاء الصلاحية كانت كفيلة بصدمها (2018).
رحلة بحث سلوى عن الدواء لوالدتها لم تكن سهلة في خضم الفوضى التي تعصف بالخرطوم، حيث تقطن في منطقة جنوب الحزام. لكنها تمكنت أخيراً من الحصول عليه من سوق (صابرين) الشعبي بأم درمان.
لم تكن تعلم أن ما ظنته طوق نجاة لوالدتها، التي أنهكها المرض وطول تجريب العلاجات البلدية، سيكون سبباً في وفاتها. تقول سلوى لـ”سودان تربيون” بصوت يغص بالأسى “أنا مؤمنة بقضاء الله وقدره، لكني لن أسامح نفسي أبداً على عدم التحقق من تاريخ صلاحية ذلك الدواء”.
تحرك رسمي ورقابة محدودة
يعترف أمين أمانة الرقابة في المجلس القومي للأدوية والسموم، محمد بشير، بوجود تحديات كبيرة. وأكد في حديثه لـ”سودان تربيون” على ضبط العديد من المخالفات الدوائية مؤخراً، وكشف عن اتخاذ إجراءات قانونية ضد مؤسسات صيدلانية وُجدت لديها أدوية غير مطابقة للمواصفات بموجب قانون الأدوية والسموم.
ورغم تأكيده على انخفاض المخالفات بشكل كبير “نتيجة لتحسن الوفرة الدوائية والدور الرقابي الفاعل لفروع المجلس بالولايات”، بحسب تقرير الرقابة نصف السنوي، إلا أن الواقع الذي ترويه قصص مثل قصة سلوى يرسم صورة مغايرة.
وشدد بشير على أن المجلس يعمل على محاربة الأدوية المهربة عبر تعزيز الرقابة وتفعيل آلياته في الولايات الآمنة، وتنفيذ حملات تفتيش دورية، مما أسهم في تقليل وجود الأدوية غير المسجلة. وأشار إلى وجود إطار قانوني رادع متمثل في قانون الأدوية والسموم لسنة 2009، وقوانين أخرى مساندة كقانون حماية المستهلك.
وأضاف أن المجلس شكل لجنة عليا لرقابة المنافذ تضم جهات عدة منها الجمارك والأمن الاقتصادي والمواصفات والمقاييس، بهدف حماية البلاد من خطر دخول الأدوية المهربة، مؤكداً في الوقت ذاته أن أسعار الأدوية تخضع للائحة تسعير منضبطة.
“الكوكو”.. تجارة الموت
من جهته، يوضح الصيدلي الدكتور بهاء الدين الحاج لـ”سودان تربيون” أن السودان يعاني منذ سنوات من ظاهرة الأدوية المغشوشة مجهولة المصدر، والمعروفة محلياً بـ”الكوكو”.

ويؤكد الحاج أن تجارة هذه الأدوية القاتلة ازدهرت بشكل خاص بعد انقلاب 2021، وتفاقمت بصورة كارثية خلال الحرب الحالية. ويقول “بسبب الحرب، فإن معظم الأدوية التي تباع وتوزع الآن هي أدوية مغشوشة ومجهولة المصدر”.
وكشف أن غالبية الأدوية المغشوشة تصل إلى السودان من مصر عبر معبر أرقين، ومن الهند عبر جنوب السودان وصولاً إلى مدينة ربك، بالإضافة إلى كميات أخرى تصل عبر ولاية كسلا.
ويحذر الحاج من أن هذه الأدوية المقلدة تشكل تهديداً قاتلاً للصحة العامة، حيث يستهلكها المرضى دون علمهم باحتوائها على مواد سامة أو جرعات غير صحيحة، مما يؤدي إلى التسمم، فشل العلاج، وتفاقم المرض. ويضيف “هذه المنتجات تُسرّع أيضاً من انتشار العدوى المقاومة للأدوية، خاصة المضادة للملاريا والمضادات الحيوية”.
وحول الجدل العلمي بشأن استخدام الأدوية منتهية الصلاحية، يوضح الحاج أن الأمر معقد، حيث إن تاريخ انتهاء الصلاحية (Expiate) يختلف عن مدة الصلاحية (Shelf−Life) التي تعبر عن الوقت الذي تنخفض فيه فعالية المادة النشطة إلى 90%.
لكنه يستدرك قائلاً “في واقع السودان ما بعد الحرب، وبسبب جشع ضعاف النفوس وغياب الرقابة، اختلط الحابل بالنابل. لم يعد الأمر يتعلق بتاريخ الصلاحية فقط، بل بانتشار أدوية مغشوشة بالكامل إلى جانب الأدوية منتهية الصلاحية، وقليل من الدواء السليم “.
كما أرجع الحاج أسباب ارتفاع أسعار الدواء إلى انقطاع سلاسل الإمداد بسبب الحرب، وانهيار النظام الصيدلاني بخروج معظم الشركات والمصانع المحلية من السوق. وأكد أن السودان لم يشهد استقراراً دوائياً طوال الخمسة عشر عاماً الماضية.
أزمة متفاقمة وخسائر فادحة
عمار محمد، موظف سابق في مجلس الأدوية، يرى أن الأزمة ليست جديدة، مشيراً في حديثه لـ”سودان تربيون” إلى تقارير أممية سابقة حذرت من انتشار الأدوية المغشوشة في دول أفريقية من بينها السودان. وأكد أن المجلس كان يعمل قبل الحرب بكل جهد لمكافحة هذه الظاهرة، مضيفاً أن القتال المستمر فاقم أزمة الدواء بشكل غير مسبوق.
ويختتم محمد حديثه بالتأكيد على أن “الخسائر لم تعد تقتصر على الأرواح، بل تمتد لتشمل خسائر اقتصادية فادحة للدولة نفسها التي تجد نظامها الصحي ينهار، ومرضاها يموتون إما بسبب انعدام الدواء أو بسبب تداول دواء قاتل”.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (سودان تربيون) لتسليط الضوء على أزمة انتشار الأدوية المغشوشة ومنتهية الصلاحية في السودان، والكشف عن ضعف الرقابة الرسمية ومخاطر تفاقم الظاهرة مع الحرب. وما يترتب على ذلك من مخاطر صحية قاتلة واقتصادية.
المصدر: صحيفة التغيير