بدأت تبرز في السنوات الأخيرة جلسات العلاج النفسي الجماعي كإحدى الوسائل المعتمدة لمعالجة طيف واسع من الاضطرابات النفسية؛ إذ تجمع بين أشخاص يواجهون صعوبات متقاربة، وتمنحهم فرصة للتفاعل وتبادل التجارب وتقديم الدعم المتبادل تحت إشراف متخصصين، غير أن مراجعات علمية ودراسات تحليلية، إلى جانب آراء اختصاصيين نفسيين تؤكد أن هذا النوع من العلاج يتأرجح بين مزايا واضحة ومحدودية قائمة.

دراسات ومراجعات تحليلية

أظهرت مراجعة تحليلية شملت 57 دراسة عشوائية أن “العلاج النفسي الجماعي يُعدّ وسيلة فعّالة في تقليل أعراض اضطرابات القلق؛ إذ يحسن بشكل كبير أعراض القلق العام، والرهاب الاجتماعي، واضطراب الهلع”. وبالرغم من فعاليته، إلا أن “العلاج الجماعي لم يُظهر تفوقا كبيرا مقارنة بالعلاج الفردي أو الأدوية في بعض الحالات”.

وشملت دراسة تحليلية أخرى 20 تجربة عشوائية مع 2244 مشاركا، وأظهرت أن “العلاج الجماعي يساهم في تقليل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ومع ذلك كانت فعاليته أقل مقارنة بالعلاج الفردي، مما يشير إلى ضرورة تخصيص العلاج بناء على احتياجات الأفراد”.

وأظهر تحليل شمل 52 دراسة مع 4156 مشاركا أن “العلاج الجماعي يحسن جودة الحياة والأداء العام للأفراد المصابين بالفصام، ومع ذلك كانت تأثيراته على الأعراض النفسية الأساسية متوسطة إلى صغيرة، مما يشير إلى أهمية دمج العلاج الجماعي مع تدخلات أخرى لتعزيز النتائج العلاجية”.

وفي مراجعة تحليلية أخرى ظهر أن “تطبيق بروتوكول موحد في شكل جماعي يُظهر فعالية في معالجة الاضطرابات العاطفية لدى البالغين، ومع ذلك كانت فعاليته متفاوتة بناءً على نوع الاضطراب، ومكونات البرنامج، ومدى التزام المشاركين”.

أما دراسة عشوائية قصيرة المدى تدعى “BRAVA” فقد أظهرت أن “التدخل الجماعي المختصر يساهم في تقليل الأفكار الانتحارية لدى الشباب، خاصة عندما يدمج مع مشاركة أولياء الأمور، ومع ذلك كانت النتائج غير متسقة، مما يشير إلى ضرورة مزيد من البحث لتحديد فعاليته على المدى الطويل”.

وتشير هذه الدراسات إلى أن “العلاج النفسي الجماعي يُعدّ وسيلة فعّالة لمعالجة مجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك القلق، اضطراب ما بعد الصدمة، الفصام، والأفكار الانتحارية، ومع ذلك تختلف فعاليته بناءً على نوع الاضطراب، مكونات البرنامج، ومدى التزام المشاركين”.

ونصحت الدراسات المذكورة بـ”تخصيص العلاج الجماعي ليتناسب مع احتياجات الأفراد، ودمجه مع تدخلات أخرى عند الحاجة، كما يعتبر خيارا مناسبا في البيئات ذات الموارد المحدودة، حيث يمكن أن يقدّم دعما فعّالا بتكلفة أقل مقارنة بالعلاج الفردي، ويستلزم النظر في التحديات الثقافية والاجتماعية لضمان تحقيق أفضل النتائج”.

بين الإيجابيات والسلبيات

ندى الفضل، اختصاصية نفسية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “إيجابيات العلاج النفسي الجماعي تتمثل في الإحساس بالانتماء وتقليل العزلة، وهو عنصر مهم، خصوصا مع الاكتئاب واضطرابات القلق، حيث يشعر المريض بأنه ليس وحده، كما يبرز جانب التعلّم من الآخرين، وهو فعّال جدا مع اضطراب تعاطي المواد مثل إدمان الكحول أو المخدرات؛ إذ يستفيد المشارك من قصص التعافي والنكسات لدى الآخرين”.

وقالت إن “الإيجابيات تشمل كذلك تنمية المهارات الاجتماعية، حيث يُستخدم العلاج الجماعي بكثرة مع الرهاب الاجتماعي واضطراب الشخصية التجنبية؛ إذ يوفر تدريبا عمليا في بيئة آمنة، إضافة إلى التغذية الراجعة Feedback، وهو عامل مفيد في اضطراب الشخصية الحدّية واضطرابات العلاقات، لأن المريض يتلقى انعكاسا لسلوكه من أعضاء المجموعة، فضلا عن ميزة الكلفة والوقت، حيث يشكّل حلا مناسبا لعدد كبير من الحالات الشائعة”.

وبخصوص سلبيات العلاج النفسي الجماعي، ذكرت ندى الفضل، في تصريح لهسبريس، أنها “تشمل نقص الخصوصية، وهو ما قد يشكّل عائقا أمام من يعانون من الوسواس القهري أو الصدمة النفسية PTSD، حيث يصعب عليهم كشف تفاصيل خاصة جدا، كما يبرز التفاوت في الالتزام، وهو أمر يلاحظ غالبا في مجموعات علاج الإدمان إذا لم تكن هناك متابعة صارمة، إلى جانب هيمنة بعض الأعضاء التي قد تؤثر سلبا، خصوصا عند العمل مع اضطرابات الشخصية النرجسية أو العدوانية”.

يضاف إلى ذلك، بحسب الاختصاصية النفسية ذاتها، “عدم ملاءمة بعض الاضطرابات، مثل الذهان الحاد أو الهوس في الاضطراب ثنائي القطب”، مشددة على أن “المريض قد يحتاج إلى استقرار دوائي وعلاج فردي أولا قبل الاندماج في مجموعة، فضلا عن احتمال التأثر السلبي، إذ إن مجموعات الصدمة trauma groups قد تؤدي إلى إعادة تنشيط أعراض الاجترار أو Flashbacks عند بعض الأعضاء بسبب سماع روايات الآخرين”.

وخلصت المعالجة الإكلينيكية إلى أن “العلاج النفسي الجماعي يوصى به غالبا مع الاكتئاب والقلق والرهاب الاجتماعي واضطرابات الشخصية، وخاصة التجنبية والحدّية، والضغط النفسي المزمن، والصدمات بعد الكوارث بشروط معينة، بينما يكون أقل ملاءمة أو يتطلب حذرا أكبر مع الذهان النشط والهوس والاضطرابات شديدة الخطورة أو الحالات التي تتطلب خصوصية عالية”.

وختمت ندى الفضل توضيحاتها بالتأكيد على أن “العلاج النفسي الجماعي يظل قويا وفعّالا عندما يكون هناك انتقاء جيد للأعضاء، ووضوح في أهداف الجلسات، والتزام بالمشاركة، إلى جانب إشراف دقيق من المعالج النفسي الإكلينيكي للحفاظ على التوازن داخل المجموعة”.

المصدر: هسبريس

شاركها.