أمد/ في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية العراقية، أعرب زعيم التيار الوطني الشيعي، السيد مقتدى الصدر، عن شكره الصريح للدول الأوروبية التي اعترفت بدولة فلسطين، مشدداً على أن هذا الاعتراف “يؤرق الصهاينة” لأنه يعني “الاعتراف بالقدس وفرض عقوبات على من يتعدى على الدولة المعترف بها”. هذا الترحيب، الذي جاء في تغريدة على منصة “أكس” يوم الاثنين 22 سبتمبر 2025، يأتي في سياق موجة اعترافات أوروبية متسارعة بدولة فلسطين، بما في ذلك بريطانيا وإسبانيا. لكن، هل يحمل هذا الشكر تناقضاً مع مواقف الصدر التأريخية، خاصة بعد أن كان هو نفسه مهندس قانون تجريم التطبيع مع “الكيان الصهيوني” في العراق؟ وهل يدرك الصدر أن هذه الاعترافات الأوروبية مشروطة بحل “الدولتين”، الذي يعترف ضمناً بالكيان الصهيوني كدولة شرعية؟
في هذا التحقيق الاستقصائي، نغوص في خلفية الشكر، نتحقق من السياق القانوني العراقي، ونفحص شروط الاعترافات الأوروبية، بما في ذلك الحدود والتسليح، مستندين إلى مصادر رسمية وتحليلات حديثة. النتيجة: تناقض واضح يعكس تعقيدات الموقف الصدري بين الدعم الفلسطيني والرفض الصهيوني.
خلفية الشكر: موجة الاعترافات الأوروبية ودور الصدر
بدأت موجة الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين في 2024، مع إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا، وتسارعت في سبتمبر 2025 بقرار بريطانيا، تلتها كندا وأستراليا والبرتغال. هذه الخطوات، التي أغضبت الكيان الصهيوني ووصفتها بـ”مكافأة للإرهاب”، جاءت كرد فعل على حرب غزة المستمرة منذ أكتوبر 2023، وكجزء من جهود إحياء حل “الدولتين”.
أما الصدر، الذي يُعتبر أحد أبرز الشخصيات الشيعية المؤثرة في العراق، فقد نشر تغريدته يوم 22 سبتمبر، مشكراً “من اعترف.. وخصوصاً (إسبانيا)”، وربط الاعتراف بالقدس كعاصمة فلسطينية، مع الإشارة إلى عقوبات محتملة على الانتهاكات الصهيونية. هذا الترحيب ليس الأول؛ فقد دعم الصدر القضية الفلسطينية سابقاً، لكنه في نوفمبر 2024 حذر الحكومة العراقية من دعم حل “الدولتين”، معتبراً إياه “خيانة للقضية” وداعياً إلى “وحدة عربية” ترفض شرعية الكيان الصهيوني. في 2025، لم يتغير موقفه جذرياً؛ فقد حذر في يوليو من تدخل العراق في صراعات إيرانالكيان الصهيوني، دون التركيز على “عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني”.
السؤال الاستقصائي: لماذا الشكر الآن؟ تحليلات تشير إلى أن الصدر يستغل الاعترافات لتعزيز شعبيته داخل التيار الشيعي، خاصة بعد مقاطعته للانتخابات 2025 بسبب “الفساد”، لكن هذا الترحيب يتجاهل الشرط الأساسي للاعترافات: الاعتراف المتبادل بالكيان الصهيوني كجزء من حل الدولتين.
العلاقة بالاعتراف بالكيان الصهيوني: شرط “الدولتين” الذي يغفل عنه الصدر
يُزعم في السؤال أن “الاعتراف بالدولة الفلسطينية من شروطه هو الاعتراف بالكيان الصهيوني”. هذا صحيح؛ فالاعترافات الأوروبية لا تعترف بفلسطين “بدون الكيان الصهيوني”، بل كجزء من رؤية “الدولتين”، حيث تعترف الدولتان ببعضهما البعض.
بريطانيا (2025): أكد رئيس الوزراء كير ستارمر أن الاعتراف “يُعيد الأمل للسلام وحل الدولتين”، مشدداً على “الكيان الصهيوني آمن إلى جانب فلسطين مستقرة”. لا تقبل بريطانيا دولة فلسطينية “بدون الكيان الصهيوني”؛ بل ترى الاعتراف كخطوة للتفاوض المتبادل، مع رفض أي تهديد للكيان الصهيوني.
إسبانيا (2024، ودعمها المستمر في 2025): أعلن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أن الاعتراف يهدف إلى “دولة فلسطينية موحدة” تحت السلطة الفلسطينية، لكن “في إطار حل الدولتين”، مع الاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة مجاورة. إسبانيا لا تقبل فلسطين “بدون الكيان الصهيوني”؛ بل تدعو إلى “تعايش سلمي” بين الدولتين، مع حدود 1967 كأساس.
شكر الصدر لهذه الدول، خاصة إسبانيا، يتجاهل هذا الشرط، مما يجعله يبدو كدعم غير مشروط لفلسطين، بينما الاعترافات نفسها تعزز شرعية الكيان الصهيوني ضمنياً.
التحقق من قانون تجريم التطبيع: هل يتعارض الشكر مع “قانون الصدر”؟
في مايو 2022، أقر البرلمان العراقي “قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني”، الذي اقترحه الصدر نفسه عبر كتلته البرلمانية (التي فازت بأكبر عدد من المقاعد آنذاك). القانون يجرم “أي علاقة أو تطبيع” مع الكيان الصهيوني، بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد للمسؤولين أو المتورطين، ويمنع أي تعاون اقتصادي أو سياسي أو ثقافي. كان الهدف: تعزيز الرفض العربي للكيان الصهيوني، خاصة بعد اتفاقيات أبراهام.
التعارض مع الشكر: نعم، هناك تعارض واضح. شكر الصدر للاعترافات الأوروبية، التي تدعم حل “الدولتين” (أي الاعتراف المتبادل بالكيان الصهيوني)، يمكن تفسيره كدعم غير مباشر لشرعية الكيان الصهيوني، مما ينتهك روح القانون الذي دافع عنه. تحليلات تشير إلى أن هذا يعكس “انقساماً داخلياً” في التيار الصدري بين الدعم الفلسطيني والرفض الصهيوني الصارم. في 2024، حذر الصدر من “الدولتين” كـ”مؤامرة”، مما يجعل شكره في 2025 يبدو متناقضاً. لم يصدر توضيحاً رسمياً من مكتبه حتى الآن، لكن مصادر شيعية تتحدث عن “ضغوط داخلية” للتوفيق بين الاثنين.
البعد القانوني: مخاطر على الصدر والعراق
من الناحية القانونية، القانون العراقي ملزم للمسؤولين، ويشمل “أي تصريح أو موقف يدعم التطبيع”. إذا اعتُبر شكر الصدر “دعماً لسياسات أوروبية تعترف بالكيان الصهيوني”، قد يواجه تحديات قانونية من خصومه في الإطار التنسيقي، الذين يتهمونه بالـ”تناقض”. دولياً، لا يلزم القانون العراقي الدول الأوروبية، لكن في العراق، قد يُستخدم كأداة سياسية لمهاجمة الصدر، خاصة مع مقاطعته الانتخابية.
حدود الدولة الفلسطينية وحالة التسليح: الشروط الأوروبية
الحدود: تعتمد الاعترافات على خطوط 1967: الضفة الغربية، قطاع غزة، والقدس الشرقية كعاصمة. إسبانيا أكدت “دولة موحدة” تشمل غزة والضفة، بينما بريطانيا تركز على “قابلية الحياة” ضمن هذه الحدود.
التسليح: نعم، منزوعة السلاح. ستارمر أكد أن فلسطين “لن تمتلك جيشاً أو سلاحاً جوياً”، مع إصلاحات في السلطة الفلسطينية. إسبانيا تدعم “دولة غير عسكرية” في إطار السلام. هذا يهدف إلى طمأنة الكيان الصهيوني، لكن الصدر لم يعلق عليه، رغم تركيزه على “العقوبات على الانتهاكات”.
خاتمة: تناقض يهدد مصداقية الصدر
ترحيب الصدر بالاعترافات يعكس حماسة شعبية للقضية الفلسطينية، لكنه يتعارض مع رفضه التأريخي لحل “الدولتين” وقانون التطبيع الذي بناه. هذا التناقض قد يُستغل سياسياً في العراق، حيث يُرى كـ”تساهل مع الكيان الصهيوني”. ،لكن الوضوح ضروري لتجنب الاتهامات. في النهاية، الاعترافات الأوروبية ليست “نصراً مطلقاً” لفلسطين، بل خطوة مشروطة تعزز الاعتراف المتبادل وهو ما قد لا يتناسب مع رؤية الصدر “القدسية”.