في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المغرب، تبرز المشاريع الصغيرة والمتوسطة كأداة فعالة لمحاربة الفقر وتعزيز التنمية المستدامة. ولم يعد كافيا التعويل على البرامج الاجتماعية أو الدعم المباشر، بل أصبح تمكين الأفراد اقتصاديا ومنحهم الأدوات اللازمة لتحسين أوضاعهم شرطا أساسيا للتغيير الحقيقي والدائم.

في هذا السياق، اعتمد المغرب سياسة واضحة تقوم على دعم وتمويل المشاريع الصغيرة، خصوصا في المناطق الهشة والمهمشة، حيث لا يقتصر هذا الدعم على التمويل المالي فحسب، بل يشمل أيضا التكوين والمواكبة وتسهيل الولوج إلى الأسواق.

وفي تصريح لجريدة “”، أكد المحلل الاقتصادي محمد جدري أن المغرب يسير وفق رؤية اقتصادية تهدف إلى مضاعفة الناتج الداخلي الخام من 130 مليار دولار سنة 2021 إلى أكثر من 260 مليار دولار في أفق 2035. ولتحقيق هذا الهدف، شدد جدري على ضرورة تعزيز الاستثمار الخاص ليشكل ثلثي الاستثمار الإجمالي، مع التركيز على قطاعات حيوية مثل الأمن الغذائي، والأمن الصحي، والأمن الطاقي.

وأشار جدري إلى أهمية تقليص الفوارق بين جهات المملكة إلى أقل من 30 بالمئة، ورفع نسبة نشاط النساء لتصل إلى 45 بالمئة بحلول 2035. واعتبر أن تحقيق هذه الأهداف يمر أساسا عبر تشجيع المبادرة الفردية ودعم المقاولات الصغيرة، باعتبارها المحرك الأساسي للتنمية وخلق فرص الشغل.

وأضاف أن أغلب النسيج المقاولاتي بالمغرب يتكون من مقاولات صغيرة جدا، ما يستدعي دعما خاصا لهذه الفئة، خاصة في الجهات البعيدة عن المحور الاقتصادي التقليدي الممتد بين طنجة والدار البيضاء. وذكر جهات مثل درعة تافيلالت، وكلميم واد نون، وبني ملال خنيفرة، والجهة الشرقية، باعتبارها مناطق تحتاج إلى دفعة قوية في الاستثمار والمبادرة المقاولاتية.

ولتفعيل هذا التوجه، اقترح جدري عددا من التدابير، أبرزها تبسيط المساطر الإدارية لإنشاء المقاولات، وتسهيل الولوج إلى التمويلات البنكية، التي لا يزال القطاع البنكي متحفظا بشأنها. كما دعا إلى فتح الطلبيات العمومية أمام المقاولات الصغيرة جدا، والمقاولين الذاتيين، والتعاونيات، بما يضمن توزيع الفرص بشكل أكثر عدلا ويعزز دينامية الاقتصاد المحلي.

ولفت إلى أن المواكبة خلال السنوات الأولى من عمر المقاولة أمر بالغ الأهمية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن الآلاف من المقاولات تفشل سنويا في تجاوز السنتين الأوليين من نشاطها، مما يستوجب دعما خاصا ومستمرا خلال هذه الفترة.

وختم جدري تصريحه بالدعوة إلى اعتماد مقاربة جديدة لدعم المقاولات الصغيرة جدا، خصوصا في الجهات المهمشة، مؤكدا أنها تمثل ركيزة أساسية لخلق فرص الشغل وخفض معدل البطالة إلى أقل من 9 بالمئة في أفق 2030.

من جانبه، أكد المحلل الاقتصادي علي غنبوري أن الفقر لا يزال من أبرز التحديات التي يواجهها المغرب، خصوصا في المناطق القروية والنائية، حيث تعاني فئات واسعة من ضعف الدخل وغياب فرص الشغل واستمرار الفوارق الاجتماعية.

واعتبر غنبوري في تصريحه لـ”” أن تمويل المشاريع الصغيرة يمثل حلا فعالا لمواجهة الفقر، كونه يتيح فرصا حقيقية لخلق مصادر دخل ذاتية ومستدامة. وأشار إلى أن مشاريع بسيطة مثل تعاونيات نسائية أو أنشطة فردية قد تُحدث تغييرا كبيرا في حياة المستفيدين ومحيطهم، خاصة عندما تقترن بآليات الدعم المالي مثل القروض الصغرى.

وأبرز غنبوري الدور المحوري للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في دعم الأنشطة المدرة للدخل، من خلال التمويل والمواكبة والتأطير، وكذا توفير البنيات التحتية الضرورية لتسويق المنتجات. كما أشار إلى انخراط الجهات والجماعات الترابية في هذا الورش، عبر برامج تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة. فمثلا، دعمت جهة سوس ماسة تعاونيات لإنتاج وتسويق زيت الأركان، فيما شجعت جهة الشرق مشاريع للفلاحة التضامنية، وركزت الأقاليم الجنوبية على الأنشطة المرتبطة بالصيد البحري.

وأوضح أن ما يميز هذه المشاريع هو قدرتها على خلق مناصب شغل محلية بسرعة وبتكلفة منخفضة، إلى جانب تعزيز روح المبادرة وتقوية النسيج الاجتماعي. لكنه شدد على أن نجاحها مرهون بتبسيط مساطر التمويل وتوفير التكوين اللازم لاستمرارية المشاريع.

وختم غنبوري تصريحه بالتأكيد على أن هذا التوجه ينسجم مع رؤية المغرب 2035، التي تضع تنمية الرأسمال البشري ودعم الاقتصاد الاجتماعي في صلب استراتيجيتها. فالمشاريع الصغيرة، بحسبه، ليست حلا مؤقتا، بل هي مكون أساسي لبناء اقتصاد متوازن يعزز العدالة المجالية والاجتماعية، ويمكن أن تتحول إلى محرك حقيقي للتنمية إذا تم ربطها بالتحولات الرقمية والبيئية.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.