كشفت وزارة العدل عن تراجع ملحوظ في أعداد زيجات القاصرين المصادق عليها قضائيا؛ إذ انخفضت من 26 ألفا و298 حالة سنة 2017 إلى 8 آلاف و955 حالة في سنة 2024. ورغم هذا الانخفاض اللافت، فقد دقت الوزارة ناقوس الخطر بشأن استمرار تفوق الطلبات المقدمة في المناطق القروية على نظيرتها الحضرية بشكل واضح، وهو ما يعكس عمق الأسباب الاجتماعية والاقتصادية لهذه الظاهرة.

أوضح عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، ضمن جواب كتابي عن سؤال برلماني حول الموضوع، أنّ الأرقام الوطنية تُظهر بالفعل انخفاضا، غير أنّ المعطيات المفصلة تكشف استمرار الريادة القروية في تسجيل هذه الطلبات. فعلى سبيل المثال، سُجِّل في سنة 2021 ما مجموعه 15 ألفا و150 طلبا في البادية، مقابل 6 آلاف و283 طلبا في المدن. واستمر هذا التفوق في سنة 2024 مع تسجيل 11 ألفا و325 طلبا قرويا مقابل 4 آلاف و100 طلب حضري.

وأضاف وهبي أنّ “التعديلات المقترحة لمراجعة مدونة الأسرة تُعد خطوة مهمة لتطويق ظاهرة تزويج القاصرات، من خلال تحديد أهلية الزواج في 18 سنة شمسية كاملة، مع وضع استثناء يسمح بالزواج في سن 17 سنة شريطة أن يكون مؤطرا بشروط صارمة تُبقيه في دائرة الاستثناء، مخافة أن يتحول إلى قاعدة عامة”. ومع ذلك، شدّد الوزير على أن “مواجهة الظاهرة في المناطق الفقيرة والقروية لا يمكن أن تظل مرتبطة بوجود تشريع يمنع أو يسمح فقط، بل تتجاوز القانون إلى عمق الواقع الأسري والعقليات والمفاهيم الاجتماعية السائدة”.

وفي السياق ذاته، اعتبرت ليلى أميلي، رئيسة جمعية “أيادي حرة”، أنّ الأرقام الحالية مؤسفة ومؤلمة، مؤكدة أنّ هذا المطلب ليس جديدا وإنما ظلّ مرفوعا منذ سنوات، وأنّ تعديل مدونة الأسرة يبقى مطلبا أساسيا وجوهريا.

وأشارت أميلي، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أنّ “النظام القائم منذ صدور المدونة سنة 2004 خلق استثناء تحول مع مرور الوقت إلى قاعدة، ولو أنّه ضُبط بشكل فعّال لما بلغنا هذه الأرقام”. وأضافت أن الطفولة يجب أن تمتد حتى سن الثامنة عشرة، وهو ما يستوجب إرساء آليات أساسية للحد من زواج الطفلات، مثل ضمان التعليم، وتوفير دور الطالبات، وتأمين النقل المدرسي.

وأوضحت رئيسة جمعية “أيادي حرة” أنّ تفوق نسب الزواج في العالم القروي والمناطق الجبلية يكشف عن خلل في البنية التحتية، وهو ما سبق أن حذر منه الملك محمد السادس حين شدد على أنّه لا يمكن للمغرب أن يسير بسرعتين: سرعة حضرية وأخرى قروية. واعتبرت أن الحل لا يقتصر على التشريع وحده، بل “يقتضي مقاربة شمولية تشمل تغيير العقليات ومحاربة الأمية في صفوف الأمهات والآباء”.

كما حذرت من المقترح القاضي بالسماح بالزواج في سن 17 كاستثناء، معتبرة أنّ التجارب السابقة بيّنت أن الاستثناءات غالبا ما تتحول إلى قواعد، مما يفتح المجال للتلاعب واختلاف الأحكام من منطقة إلى أخرى.

وأكدت أن المطلوب هو “سن قانون موحد وصارم يُلزم بسن زواج لا يقل عن 18 سنة، باعتبارها الحد الأدنى لحماية الطفولة”.

من جانبها، شددت غزلان ماموني، رئيسة جمعية “كيف ماما كيف بابا”، على أنّ التقاليد السائدة في الأرياف تبرر زواج القاصرات بأسباب اجتماعية واقتصادية، مثل التستر أو تأمين من ينفق على الفتاة، غير أنّ ذلك يخفي في كثير من الأحيان استغلالا اقتصاديا وجسديا. واعتبرت أنّ “منح تراخيص قضائية لتزويج القاصرات هو بمثابة إذن رسمي للاعتداء على طفلة، لأن الأمر لا يتعلق بموافقة شكلية، بل بقدرة قانونية ونفسية ومعرفية لا تتوفر لدى القاصر”.

وأضافت ماموني أنّ “القانون نفسه يعترف بالأهلية القانونية الكاملة عند سن الثامنة عشرة، حيث يتيح حينها حق الترشح والتصويت والتعاقد، فكيف يسمح بزواج قاصر لم تنضج بعد بدنيا ونفسيا؟”. وأشارت إلى أنّ الخبرة الطبية تؤكد أنّ النمو الجسدي والجاهزية الصحية للإنجاب قد لا يكتملان قبل سن الحادية والعشرين، مما يجعل زواج القاصرات تهديدا مباشرا لصحة الفتاة وسلامتها النفسية والاجتماعية.

وختمت رئيسة جمعية “كيف ماما كيف بابا” بالقول إنّ رفضها لزواج القاصرات مطلق وقاطع، مطالبة برفع سن الزواج إلى 18 سنة على الأقل، مع تفضيل رفعه إلى 21 سنة ضمانا للنضج الحقيقي وتقليلا للمخاطر الصحية والاجتماعية، مؤكدة أنّ “حماية الطفولة يجب أن تكون أولوية فوق أي اعتبار اجتماعي أو اقتصادي”.

المصدر: هسبريس

شاركها.