في خطوة جديدة تهدف إلى مواكبة التوسع الحضري الكبير الذي تعرفه المدن المغربية، وضعت الحكومة خطة استراتيجية لإعداد “مخططات جهوية للإسكان” تستهدف أربع جهات حيوية هي: الدار البيضاءسطات، بني ملالخنيفرة، مراكشآسفي، والرباطسلاالقنيطرة.

ويأتي هذا المشروع في سياق التحولات الديموغرافية المتسارعة التي شهدتها المملكة، حيث ارتفعت نسبة سكان المدن من 55% سنة 2004 إلى حوالي 63% سنة 2024، وهو ما يفرض ضغطا متزايدا على البنيات التحتية والخدمات الأساسية، ويزيد من التحديات المرتبطة بسوق السكن وتوفير التجهيزات العمومية. وتطمح الحكومة، عبر هذه المخططات، إلى وضع رؤية استباقية واضحة لمستقبل الإسكان، تضمن توفير سكن لائق يستجيب لحاجيات الأسر المغربية، ويحقق في الآن نفسه العدالة المجالية والتماسك الاجتماعي.

في هذا السياق، أعلنت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة عن إطلاق طلب عروض دولي مفتوح لإنجاز الدراسات الخاصة بهذه المخططات، بكلفة إجمالية قُدرت بحوالي 9.5 ملايين درهم موزعة على أربعة أشطر. وستشكل هذه الدراسات وثائق مرجعية لتوجيه السياسات العمومية، من خلال تحديد أولويات التدخل وتوجيه الاستثمارات نحو المشاريع الأكثر إلحاحا وفعالية.

ووفقا لدفتر تحملات الصفقة، فإن هذه المبادرة تستند إلى توصيات المجلس الوطني للإسكان، الذي شدّد على ضرورة اعتماد مقاربة جهوية في التخطيط العمراني. ويقوم التصور الحكومي على خطة عمل بأفق زمني يمتد إلى سنة 2035، تشمل برامج تدخل ملموسة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الاقتصادية والديموغرافية والعمرانية لكل جهة، وتستجيب للحاجيات السكانية المتزايدة، سواء في الوسط الحضري أو القروي.

ومن الناحية العملية، ستُنجز الدراسات عبر ثلاث مراحل متكاملة. المرحلة الأولى تهم إعداد منهجية شاملة للدراسة، وجمع المعطيات الأساسية من خلال وثائق رسمية ومقابلات مع مختلف المتدخلين من سلطات محلية ومؤسسات عمومية ومهنيين. أما المرحلة الثانية فستخصص لإجراء مسوح ميدانية دقيقة ترصد وضعية السكن في الجهات المعنية.

وتحدد الطلب القائم والمتوقع، إلى جانب إحصاء الاحتياطات العقارية القابلة للتعبئة وتنظيمها ضمن خرائط رقمية اعتمادا على أنظمة معلومات جغرافية حديثة. وتتمثل المرحلة الثالثة في صياغة رؤية استراتيجية جهوية، وخطة عمل مفصلة تحدد أهداف التدخل، آليات التمويل، الأدوار الموكلة لكل شريك، والجدول الزمني للتنفيذ، مع اعتماد مؤشرات واضحة للتتبع والتقييم.

وأبرزت الوزارة أن هذه المخططات لن تكون مجرد وثائق تقنية، بل أداة للتخطيط الاستراتيجي تسعى إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب في قطاع السكن، وضمان التوزيع العادل والمتنوع للوحدات السكنية عبر مختلف الأقاليم والعمالات، مع مراعاة النمو الديمغرافي وتوجهات وثائق التعمير.

كما أكدت على أن المقاربة التشاركية ستكون محور هذه العملية، من خلال إشراك جميع الأطراف المعنية، من سلطات محلية وجماعات ترابية، إلى المنعشين العقاريين والمهنيين والفاعلين المدنيين، لضمان أن تكون هذه المخططات واقعية وقابلة للتنفيذ. الهدف النهائي يتمثل في تعزيز التنمية المستدامة، دعم التنوع الاجتماعي، تقليص الفوارق المجالية، وتحسين جودة العيش للمواطنين.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.