يتجدد النقاش بمدينة المحمدية حول واقع التشجير كلما لاحظ المتتبعون الانتشار الواسع لأشجار النخيل في مختلف الشوارع والأزقة، إذ لم يعد أي حي يخلو من هذا النوع من الأشجار التي باتت تطبع المشهد الحضري للمدينة بشكل لافت، وهو ما يثير تساؤلات عدد من الفاعلين المحليين بخصوص جدوى هذا التوجه.
وتصاعدت المطالب بوقف عملية “التنخيل” بعدما أصبحت المحمدية تُضرب بها الأمثال في كثرة النخيل، حيث يعتبر المنتقدون أن هذا الاختيار يقلل من تنوع الغطاء النباتي المطلوب داخل الفضاءات العمومية، داعين إلى اعتماد مقاربة جديدة في التشجير تراعي التوازن البيئي والجمالي للمدينة.
ولم يقف النقاش عند حدود مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جرى نشر صور النخيل مرفقة بعبارات تساؤل أحيانًا واستنكار أحيانًا أخرى، بل بادرت إحدى الجمعيات المهتمة بالشأن البيئي بمدينة المحمدية إلى مراسلة رئيس المجلس الجماعي لمدينة الزهور، من أجل تقديم “توصيات تشجيرية بيئية موسعة ومستدامة”، والمطالبة بالتوقف عن غرس “النخيل الرومي”.
التشجير والوضع البيئي
جمعية زهور للبيئة والتنمية المستدامة بالمحمدية أشارت، في المراسلة التي تتوفر هسبريس على نسخة منها، إلى أنها تتشرف، باعتبارها فاعلًا مدنيًا بيئياً، بتقديم مقترح عملي لمشروع بيئي تشجيري بجماعة المحمدية، وبأنواع محلية وأخرى متأقلمة مع مناخ المدينة، وذلك في إطار التنمية الحضرية المستدامة والحفاظ على الهوية البيئية للمنطقة.
وأكدت الجمعية ذاتها أن “الظرفية البيئية والمناخية الاستثنائية التي يعيشها السكان على مستوى جماعة المحمدية تحث على تقديم بدائل ملموسة وذات وقع صحي ومنظري”، مضيفة أن “الحالة المناخية مبنية على ما تعيشه البلاد من جفاف مستمر وحرارة استثنائية تتطلب المضي نحو إنشاء معالِجات للمياه العادمة للحد مع تصحر المساحات الخضراء وضمان استدامتها”.
ولفتت المراسلة إلى أن “الحالة البيئية زادت حدّتها بازدياد الكثافة السكانية محلياً، ما تسبب في اجتثاث الأشجار العموميّة المعمّرة من خلال الكثير من الأنشطة السكنية وبدون أي مبرر قانوني، واستبدالها بنبات ‘الواشنطونيا’ لأغراض تجارية صرفة، وفي غياب تام لأي هندسة منظرية تتلاءم مع الظروف البيئية التي تعيشها المدينة؛ وفي أحيان أخرى لا يعاد غرس أي نوع من الأشجار وتبقى العديد من الأرصفة فارغة إلا من الإسمنت الأرضي”.
وبخصوص ما وصفتها الجمعية بـ”الوضعية الاستثنائية للمحمدية” أفادت المراسلة بأنها “تستوجب الاستعجال في وضع معايير خاصة للخروج من حالة الاستثناء المرضي والنفسي والاجتماعي الذي تعيشه بيئة المدينة”، مطالبة في هذا السياق بـ”ضرورة الانخراط في مشروع تشجيري متكامل وموسع، مبني على أسس هندسية تساير وضع المدينة بيئياً ومناخيا”.
وطالبت جمعية زهور للبيئة والتنمية المستدامة بالمحمدية بـ”القطع بشكل تام مع غرس النباتات الدخيلة والمشابهة للنخيل، وخاصة تلك المسماة ‘الواشنطونيا’ التي أصبحت آفة منتشرة تراها الأعين أينما كان اتجاهها، ولا تقي من حر الشمس ولا تُغني من ضرّ التلوث حتى أصبحت للنفس مَضَرّة بلا نفع وكتلة بلا طاقة”.
وشددت الهيئة ذاتها على ضرورة “منع غرس نبات ‘النخيل الرومي’ بكل أشكاله في كل الأماكن العمومية على مستوى جماعة المحمدية”، مقدّمة في هذا السياق “مقترحات بديلة نابعة من أعضاء في جمعية زهور لهم معرفة وخبرة في مجال الاستنبات والغرس، ودراية بأنواع الأشجار والنباتات التي يمكنها التلاؤم مع الطبيعة المحلية لمدينة المحمدية والظروف المناخية الحالية والاستفادة منها منظرياً وبيئياً وبشكل مستدام”.
مقترحات أشجار بديلة
ومن بين الأشجار دائمة الخضرة التي اقترحت الجمعية “شجرة الطرفاء (Tamarix) المقاومة للجفاف والملوحة، التي تنمو جيدًا في التربة الرملية والساحلية، وتُستخدم في تثبيت التربة ومكافحة التصحر”، و”شجرة العرعار (Juniperus spp) المقاومة للجفاف والتربة الضعيفة، والتي تعطي منظرًا طبيعيًا مميزًا، وتُستخدم في تشجير المناطق الساحلية”، و”شجرة البلوط (الفلينية والحريري) (Quercus suber) المقاومة للجفاف، التي توفر ظلًا كثيفًا”.
واقترحت الهيئة ذاتها أيضا “شجرة التوت (Morus spp) متوسطة الحجم، لأنها سريعة النمو وتتحمل الجفاف نسبيًا وتوفر ظلًا جيدًا، إضافة إلى أن ثمارها صالحة للأكل وجاذبة للطيور”، و”شجرة الصنوبر الحلبي (Pinus halepensis) التي تتحمل الحرارة والجفاف والرياح، وجذابة بصريًا، وتُستخدم بكثرة في المساحات الحضرية الخضراء، ومفيدة في تنقية الهواء وتثبيت التربة”.
ومن بين الأشجار التي اقترحت المراسلة “شجرة اللبخ (Albizia lebbeck) ذات الظل الكبير، لأنها مقاومة للجفاف وسريعة النمو بأوراق ريشية ناعمة، وتتحمل ملوحة الهواء الساحلي والحرارة، وأزهارها جميلة وعطرة”، و”شجرة الجاكاراندا الصفراء (Jacaranda) التي تنمو بكثافة وسرعة وتأقلمت بشكل جيد مع مناخ مدينة المحمدية، وتعمل جيدا في تنظيف الهواء وتمنح الظل بشكل واسع”، إضافة إلى أنواع أخرى كثيرة وردت في المراسلة.
وقالت جمعية زهور، في ختام مراسلتها، إن “إعادة مدينة المحمدية إلى رُتبة ‘مدينة الزهور’ يبدأ بالعمل على بناء الثقة بين المواطن وبيئته المحلية، والتنويع في الغطاء النباتي هو مسلك لا مفر منه لدعم التنوع البيولوجي وتقليل خطر الآفات الجسدية والنفسية، والقطع التام مع غرس النخيل الرومي الدخيل والمتطفل على النباتات المحلية”.
وأضافت الجمعية ذاتها أن “المغرب يتوفر على آلاف أنواع الأشجار والنباتات التي يمكنها التأقلم مع بيئة المحمدية ويكون لها تأثير إيجابي كبير على الصحة النفسية والجسدية؛ وما قدمت المراسلة من مقترحات هو جزء بسيط جدا من التنوع النباتي الذي يزخر به البلد، ويمكن الاستعانة به على مستوى جماعة المحمدية”.
المصدر: هسبريس