منذ الاحتجاجات التي خاضتها ساكنة مدينة أكادير ضد “تردي” خدمات المستشفى الجهوي الحسن الثاني، عاد النقاش بشأن الخصاص في الموارد البشرية للصحة وما إذا كان استمرار هذه “المعضلة” يستدعي مقاربة عددية تنصب بالأساس على تخصيص مناصب مالية إضافية، أم مقاربة أخرى متكاملة تدمج رهان العدد برهان جاذبية المؤسسات الصحية العمومية بالمقارنة مع نظيراتها بالقطاع الخاص أو الخارج.
وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وبعد الزيارة التي قامها بها أمين التهراوي، هذا الأسبوع، إلى إقليمي الناظور والدريوش، راسلت المدير الجهوي للشرق في شأن “تخصيص مناصب مالية إضافية لسنة 2025”. وقالت إن ذلك يأتي “بهدف تعزيز حكامة المنظومة الصحية الوطنية بدعمها بالموارد البشرية الضرورية باعتبارها ركيزة أساسية لإنجاح ورش الإصلاح، وتأهيل المستشفيات والمؤسسات الصحية بالأطر اللازمة للرفع من جودة الخدمات الصحية المقدمة”.
لكن قراءات فاعلين ومهتمين تحدثت إليهم هسبريس، تعتبر أن “الأمر يستدعي خطة استعجالية متكاملة للموارد البشرية تحتوي علاوات جاذبية وسكنا وظيفيا وتعويضات ميدانية”، موضحة أن “ما يجعل الأطر الصحية تشتغل في مدن بعيدة وداخلية في القطاع الخاص، وتمتنع عن ذلك في القطاع العام، هو ارتفاع التحفيز المادي والمهني”.
خطة استعجالية متكاملة
أمين سامي، خبير في التخطيط الاستراتيجي وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات، قال إن “مشكلة الموارد البشرية لقطاع الصحة في المغرب مزدوجة، تتمثل في خصاص عددي وإشكال إنصاف ترابي”، موضحا أن “كثافة أطبائنا وممرضينا لا تتجاوز حاليا 2.05 لكل ألف مقابل معيار منظمة الصحة العالمية 4.45 لكل ألف”.
وأضاف سامي، في تصريح لهسبرس، أنه “مع هجرة الأطباء، تتفاقم الفجوة رغم توسّع التغطية الصحية والبنيات”، ولذلك يرى أن “الحل ليس في التكوين وحده، بل في حزمة متكاملة، تتجلى في تحفيزات مجزية للخدمة الترابية، بالإضافة إلى توسعة الإقامة والتخصصات ذات الأولوية، وتعزيز اتفاقيات ثنائية أخلاقية تنظّم الهجرة، والعمل على تمكين أدوار التمريض وتحويل المهام”.
وفي هذا الصدد، شدد على الحاجة “لتفعيل صارم للقانونالإطار 0622، ولوحة قيادة وطنية لحسابات القوى العاملة الصحية مع ربط التمويل بنتائج الإنصاف والجودة”، قائلا إن “هدفنا الواقعي بالنسبة لـ 2030، يجب أن يكون رفع الكثافة المركبة إلى 3.2/1000 كخطوة وسيطة، مع العمل على تحسين جذري لظروف العمل بالمستشفى العمومي حتى لا نخسر مواردنا البشرية التي هي العمود الفقري لأي إصلاح صحي ناجح”.
وفي هذا الصدد، أكد سامي “وجوب العمل على خطة استعجالية ترابية للموارد البشرية، من خلال عقود “خدمة ترابية” بعلاوات جاذبية، وسكن وظيفي، وتعويضات ميدانية مضاعفة للمناطق ذات الخصاص، مع لوحة قيادة شهرية للخصاص حسب الجماعات”، و”العمل على توسيع مقاعد الإقامة الطبية والتمريض المتقدّم فورًا في التخصصات ذات الأولوية (الطب العائلي، التخدير والإنعاش، طب الطوارئ، التوليد)، وربطها بعقود خدمة لثلاث سنوات في أقاليم النقص”.
وشدد الخبير ذاته على أهمية “العمل على مسطرة سريعة لاستعادة الكفاءات المغربية بالخارج، من خلال مسارات ترخيص مرنة بنظام ‘Locum’ (فترات انتداب قصيرة)، مع أجور تحفيزية تعوِّض فوارق الأجور والإقامة، وتسهيلات ضريبية محدودة المدة”.
ودعا كذلك إلى “العمل على عقد اتفاقيات ثنائية أخلاقية مع دول الاستقطاب وفق مدوّنة منظمة الصحة العالمية، من خلال توظيف منظم، تمويل مشترك للتكوين داخل المغرب، وبرامج تبادل قصيرة، بدل الهجرة الأحادية”.
التحفيز ضروري
محمد زكيري، الكاتب العام للجامعة الوطنية لقطاع الصحة، قال إن “مشكل الخصاص في الموارد البشرية بالقطاع بنيوي ومتجذر؛ بحيث يقدر حجمه بـ60 ألف ممرض و30 ألف طبيب”، موضحا أن “الوزارة تعهدت خلال آخر لقاء لها مع الممرضين وخريجي التمريض بحل إشكالية بطالة الممرضين مثلا، لكن الحقيقة أنه حتى ولو تمّ توظيف جميع خريجي السنة الماضية (حوالي 6000)، فلن يحلّ مشكل الخصاص”.
واتفق زكيري، في تصريح لهسبريس، مع أمين سامي على أن “إحدى الإشكاليات التي تؤرق الموارد البشرية للقطاع تتمثل في غياب التحفيزات مقارنة بالقطاع الخاص، خاصة فيما يتعلّق بمسألة الأجور”، مشييرا إلى أن “العامل لدى هذه الأطر ليس عدم الرغبة في العمل في المناطق النائية والمدن الداخلية والجنوبية أو غيرها، وإلا لما رأينا مهنيين يشتغلون بالمؤسسات الخاصة بهذه المدن والمناطق”.
وذكر الفاعل النقابي ذاته أن “قطاع الصحة يتخبط في اختلالات كبيرة، طالما نبّهنا إليها كنقابة، تتمثل، إلى جانب مشكل الخصاص، في نقص التجهيزات والمعدات وفعاليتها”.
وشدد على أهمية الالتزام بتنزيل ورش الإصلاح الملكي الشمولي المتعلّق بالحماية الاجتماعية، “وهو أول إصلاح يطال كل الجوانب، بعدما كانت كل حكومة تأتي بإجراءات ترقيعية”، مؤكدا في الآن نفسه أن “هذا المشروع يجب ألا ننتظر ظهور نتائجه بين عشية وضحاها، بل على المدى البعيد، ففيما يتعلّق بتكوين الأطر مثلا، فإن تكوين ممرض واحد يتطلب ثلاث سنوات، بينما تكوين طبيب عام يتطلب سبعة أعوام، فما بالك بالمتخصص”.
المصدر: هسبريس