في هذا الحوار نسلط الضوء من باريس على المغرب، الفاعل الجيوسياسي الرئيسي الذي يعيد تعريف مكانته على الساحة الدولية. ونود الإشارة هنا إلى أن هذه المقابلة لا تتبنى منظوراً آنياً أو تحليلاً ظرفياً، وإنما تسعى إلى تقديم قراءة معمقة للحيز الجغرافي الغرب إفريقي وفي القلب منه المغرب وتشابك التفاعلات فيه عبر التاريخ.

بين تطورات ملف الصحراء المغربية، وبروز دبلوماسية جديدة في منطقة الساحل، وإعادة تشكيل علاقاتها مع فرنسا وأوروبا، تتحرك المملكة المغربية في بيئة جيوسياسية تشهد تحولات عميقة.

كيف تستفيد الرباط من هذه التحولات؟ ما هي رهانات استراتيجيتها الإفريقية ؟ وكيف تتطور شراكاتها التقليدية مع أوروبا في هذا السياق الجديد؟

للإجابة عن هذه الأسئلة الحاسمة نستضيف الدكتور أوليفييه فالي (Olivier Vallée).

يُعتبر هذا الباحث أحد الخبراء المتخصصين والرواد في مجال الدراسات الإفريقية، إذ خصص مؤلفاته وبحوثه الميدانية لاستكشاف القارة الإفريقية. وتتميز مقاربته البحثية بالاستقلالية الفكرية تجاه مراكز البحوث الاستراتيجية المعاصرة والمؤسسات الاستشارية، إذ يعتمد على المنهج الجيو تاريخي الخلدوني، الذي يقوم على مبدأ أن فهم الأحداث والظواهر لا يتأتى إلا من خلال دراستها ضمن السياق التاريخي الشامل والبيئة الطبيعية والاجتماعية المحيطة بها.

باعتبارك خبيراً في الشؤون الإفريقية، ومن منظور سياسي واقتصادي مزدوج، ما هو التقييم العام الذي تجريه بعد مرور أكثر من ستين عاماً على استقلالات الدول الإفريقية؟ ما هي، في رأيك، الإنجازات الرئيسية لعملية إنهاء الاستعمار، وما هي التحديات النظامية السياسية والاقتصادية والمؤسسية التي لا تزال تعيق تحقيق السيادة الفعلية الكاملة في القارة؟

لقد شكلت عمليات الاستقلال نقطة تحول تاريخية كبرى، وفتحت نافذة غير مسبوقة على الحداثة والتحرر الجماعي لجميع الشعوب الإفريقية. سمحت هذه الفترة المحورية للأجيال الشابة في القارة بالاستيلاء على القواعد الثقافية العالمية، لا سيما ظهور موسيقى الروك الغربية، وفي الوقت نفسه تطوير التعبيرات الفنية الأصلية التي غزت فيما بعد المشاهد.

ومع ذلك، فإن تحليل مسارات ما بعد الاستقلال يكشف عن أنماط متباينة وفقا للتراث الاستعماري. وفي الفضاء الناطق بالفرنسية حافظت النخب الحاكمة، سواء كانت سياسية أو فكرية أو اقتصادية، التي كانت مندمجة في السابق في الهياكل الاستعمارية، على روابط عضوية وثيقة مع المدينة الفرنسية السابقة. وتتناقض هذه الاستمرارية المؤسسية مع التطور الملحوظ في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية، التي استوعبت شخصيات رمزية، مثل كوامي نكروما في غانا أو جوليوس نيريري في تنزانيا أو روبرت موغابي في زيمبابوي، بسرعة آليات الحكم البريطانية، وطورت استقلالية أكثر وضوحا في اتخاذ القرار. وعلى العكس من ذلك، يبدو أن القادة الناطقين بالفرنسية تشكلوا بشكل أكبر من خلال النماذج والممارسات الموروثة عن النموذج الإداري الفرنسي.

وتثير هذه الملاحظة سؤالا أساسيا حول طبيعة السيادة في مرحلة ما بعد الاستعمار. إن الانضمام الرسمي إلى الاستقلال لا يضمن تلقائيا الممارسة الفعالة للسيادة. ويجب أن نفهم هذا باعتباره توليفة معقدة بين استقلالية اتخاذ القرار الحقيقية والقدرة على الانفصال عن الخلل البنيوي للنظام ما بعد الاستعماري. ومن هذا المنظور، فإن السيادة الحقيقية ليست تحقيقاً فورياً للاستقلال، بل هدفا استراتيجيا طويل الأمد يتطلب فتوحات تدريجيًة إرادية.

إلى أي مدى أثرت القوى الاستعمارية السابقة، خاصة فرنسا وإسبانيا، على المسارات السياسية والاقتصادية للبلدان الإفريقية منذ الاستقلال؟ واليوم، في وقت تعاد فيه صياغة العلاقات الأوروبية الإفريقية في إطار أشكال جديدة من التعاون (خاصة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا)، كيف يمكن تقييم تطور هذه العلاقات التاريخية في مواجهة صعود قوى جيوسياسية مثل الصين وروسيا وتركيا و حتى دول الخليج؟

تطور فرنسا وإسبانيا استراتيجيات دبلوماسية متمايزة، ولكن متقاربة أحياناً في علاقاتهما مع دول الجنوب. يتجذر هذا التمايز في تاريخيهما المختلفين ومتطلباتهما الجيو ستراتيجية الخاصة.

خلال العهد الفرانكوي طورت إسبانيا، المنبوذة من قبل ديمقراطيات المجموعة الاقتصادية الأوروبية، دبلوماسية براغماتية مع العالم العربي. هذا النهج، المتسم بالسرية والانتهازية في الوقت ذاته، استهدف الملكيات التقليدية والحركات الثورية على حد سواء. لبت هذه الاستراتيجية ضرورتين حيويتين: ضمان الأمن الطاقي للبلاد والحفاظ على سلامة أراضيها الإفريقية، خاصة تلك المرتبطة جغرافياً بالمغرب.

منذ عام 1920 نسقت فرنسا استراتيجية للتزود بالطاقة من الشرق الأوسط وإفريقيا. تندرج هذه المبادرة ضمن إرادة أوسع للتحرر من الأنغلوسفير، هذه الجماعة الجيوسياسية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، خاصة من خلال تحالف الاستخبارات “العيون الخمس” الذي تبقى فرنسا مستبعدة منه.

تُفضّل فرنسا وإسبانيا بشكل منهجي القنوات الدبلوماسية الثنائية على آليات التعاون الأوروبية. يتجسد هذا التفضيل في التوزيع المباشر للمساعدة العامة للدول الإفريقية وفق معايير وطنية بدلاً من المعايير الأوروبية. يوضح مثال الغابون تماماً هذا المنطق: فهذا البلد الغني وقليل السكان يستفيد من تعاون مالي فرنسي أكثر سخاءً من مالي، رغم أن الأخيرة أفقر، ولكنها أقل أهمية استراتيجية جغرافياً.

خلافاً لمظاهر المفاجأة التي يظهرها القادة الفرنسيون، فإن وجود فاعلين جدد في “الفناء الخلفي” الفرنسي السابق ينخرط في دينامية تاريخية متوقعة. تحافظ روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي، على روابط تم تكوينها خلال الحرب الباردة، عندما كانت تستقبل الطلبة الأفارقة، الذين كانت ترفضهم الجامعات الفرنسية، وتدعم عسكرياً العديد من دول القارة.

ظهور مدن عملاقة جديدة مثل دبي وإسطنبول وشنغهاي يغير جذرياً الجغرافيا الاقتصادية العالمية. تقدم هذه المراكز الحضرية للتجار الأفارقة والمستثمرين المغاربيين فرص وصول وإقامة وعودة أكثر مرونة وجاذبية من الدوائر التقليدية.

يتميز هؤلاء الفاعلون الناشئون بإرادتهم في الانخراط في مشاريع بنية تحتية ضخمة واستخراج المحروقات. المثال الصيني في النيجر بليغ بشكل خاص: أكثر من 5 مليارات دولار مستثمرة في قطاع البترول في نيامي تشهد على نهج مختلف جذرياً عن التعاون التقليدي.

تُجسد إعادة التشكيل الجيوسياسية هذه مبدأً أساسياً في العلاقات الدولية، كما في الطبيعة، التي تكره الفراغ، وحتماً سيملأ.

في حالة المغرب، كيف تندرج المسيرة الخضراء لسنة 1975 ضمن استمرارية حركة الاستقلال وإنهاء الاستعمار في البلاد؟ وبالنظر إلى هذا الامتداد التاريخي، ما التحليل الذي يمكن تقديمه لتطور الوضعين السياسي والجيوسياسي في المغرب، لا سيما فيما يتعلق بعلاقاته مع الدول الأوروبية، خاصة فرنسا وإسبانيا؟ وكيف يتكيف هذا التطور مع التحديات الجديدة في القارة الإفريقية، في ظل بروز قوى مثل الصين وروسيا؟

المسيرة الخضراء تتوافق تمامًا مع مفهوم الكرامة الذي سبق أن عبّرتُ عنه. فالمملكة المغربية تؤكد استقلالها عن فرنسا من خلال امتدادها نحو المناطق الداخلية، وتموضعها على حدود “إمبراطورية الرمال” التابعة لباريس، أي موريتانيا وشمال مالي.

كما تمثّل المسيرة الخضراء رفضًا وقطيعة مع الفوضى الاستعمارية، التي قامت بتفتيت “ساحل العبيد” الطويل إلى جيوب مثل ريو دي أورو، غامبيا، داهومي، كابيندا وغيرها. وقد كان ريو دي أورو مفيدًا للغاية كمحطة لرحلات الملاحة الإسبانية بين برشلونة وغينيا الإسبانية الغنية.

واجه شمال غرب إفريقيا إمبراطورية غانا منذ بداية الألفية الثالثة. وقد أثار حكم غانا غضب قبائل صنهاجة، التي شعرت بالإحباط في وقت كانت هناك أزمة أخلاقية عميقة تهزّ الإسلام في الغرب إثر انتصار الفاطميين. انضم الأمازيغ بحماس إلى الإصلاح السني الذي دعا إليه عبد الله بن ياسين (1042)، واستلهموا من هذا الزاهد، فدخلوا في الجهاد، مؤسسين بذلك إمبراطورية المرابطين (“المرابطون”، أي “أهل الرباط” أو الدير العسكري).

ورغم أن القسم الأكبر من قواتهم توجّه نحو المغرب وإسبانيا، فإنهم لم يستثنوا خصومهم في السودان. فقد طُرد السوننكي من أوداغوست عام 1054، واستُبدل التنكا باسي، المعروف بصداقته للمسلمين، بابن أخيه مينين عام 1061، الذي كان متشددًا في التمسك بالديانة الوثنية. وقد قُتل هذا الأخير عندما سقطت العاصمة في أيدي المسلمين سنة 1076.

وبدعم من بعض الدول السودانية التي دخلت الإسلام، مثل إمارة تكْرور (السنغال)، امتد نفوذ المرابطين على نطاق واسع في الساحل السوداني. لكن هذا النفوذ ظل هشًا، وانهار بعد عام 1087 عندما قُتل زعيمهم أبو بكر بن عمر في المعركة.

أما المغرب، فقد كان حاضرًا في “إمبراطورية الرمال” منذ القرن الخامس عشر، وواجه إمبراطورية صنغاي في معارك مهمة مثل معركة تونديبي.

اليوم، تعيد الجغرافيا السياسية للمغرب قربها من بلدان “تحالف دول الساحل ” (AES) في نوع من التماهي مع الجغرافيا التاريخية حسب ابن خلدون، وبراوديل، وكريستيان غراتالو. فخرائط الاستعمار تجاهلت التراكم التاريخي، الممتد لقرون، لمفاهيم ذات أصول متنوعة. وفي الصحراء الغربية يبرز هذا التراكم من خلال المفردات القديمة للغات الأزناغية والحسانية، المنفتحة على الحضارات الإفريقية جنوب الصحراء، وحضارات ما وراء الأطلس، التي امتزجت فيها عناصر عرقية قديمة من الحراطين والفينيقيين، بالإضافة إلى تأثيرات بيزنطية ثم أندلسية.

أما جبهة البوليساريو، فهي تقتصر على المرجعيات الإسبانية لتبرير إنشاء دولة على حدود المستعمرة، بالاستناد إلى قوائم الانتماء العائلي التي سجلتها إسبانيا عام 1974. وقد كانت منهجية الإحصاء التي اتبعها الضباط الإسبان خاضعة لمتطلبات إضفاء المصداقية على مشروع قيام دولة مستقلة. وتجاهل هؤلاء الضباط الجماعات البدوية ومجالات ارتباطها الأخرى، وبالتالي تجاهلوا تمثلاتها وممارساتها التقليدية.

لكن بالنسبة للمؤرخ الجغرافي، لا بد من العودة إلى أعماق الزمن والنظر في حركات الهجرة. فبالتظاهر بتجاهل الواقع الطوبونيمي (المكاني) بما يعكسه من خصوصية أنثروبولوجية، لا يمكن التميّز عن المشروع الإيديولوجي، سواء كان مغربيًا أو بوليساريوًيا.

وعليه، فإن الأهم على المدى المتوسط ليس استقطاب الروس أو السويسريين للانخراط في المشروع المغربي في الصحراء، بل تطوير تصور شامل لغرب إفريقيا، يمكن فيه للمغرب أن يساهم في بناء فضاء للسيادة والازدهار المشترك.

في ضوء الدبلوماسية الاستباقية التي ينتهجها المغرب، واستثماراته الاستراتيجية المتنامية في القارة الإفريقية لا سيما من خلال مجموعات كالمجمع الشريف للفوسفاط (OCP) ، والبنوك، وقطاع الاتصالات كيف يمكن تقييم موقعه كفاعل رئيسي في المشهد الإفريقي؟ وهل تُجسّد هذه الدينامية في التعاون جنوب جنوب توجهاً نحو ريادة إقليمية مستدامة؟ ثم كيف تتفاعل هذه الرؤية مع الرهانات الجيوسياسية الكبرى، كدور المغرب داخل الاتحاد الإفريقي، وقضية الصحراء، وعلاقاته مع التكتلات الإقليمية الإفريقية؟

كما لاحظتم، فإن مقاربتي للقضايا الجيوسياسية المغربية تنطلق من رؤية أوسع، تتجاوز التحليل الظرفي نحو تفكيك بنية المفاهيم والأنساق التي تؤطر هذه الديناميات. فـ”النجاحات” الأخيرة التي حققها المجمع الشريف للفوسفاط يمكن فهمها في جانب كبير منها كتحركات ظرفية انتهازية، جاءت استجابةً لحاجة إفريقية متزايدة إلى الأسمدة، خصوصاً في إفريقيا جنوب الصحراء.

أما البنوك المغربية، التي تنشط منذ أكثر من ربع قرن في منطقة الساحل بهدوء ودون ضجيج إعلامي، فهي تساهم فعلياً في نسج شبكة مالية فعّالة تدعم البنية التحتية الاقتصادية لتحالف دول الساحل. (AES) وتتضاعف أهمية هذا الحضور مع الانخراط السياسي الواضح للملك والجهاز التنفيذي المغربي في دعم مسار استعادة السيادة النقدية لبلدان غرب إفريقيا. إلا أن الرؤية الجيوسياسية المغربية لا يمكن اختزالها في أرقام أو مؤشرات استثمارية. إنها رؤية تنقض القيود المفاهيمية السائدة، وتُعيد رسم خرائط الذهنيات قبل الخرائط الجغرافية. فالثورة الجيو استراتيجية التي يقودها المغرب تُبنى على تفكيك الصور النمطية، وقلب المعادلات السائدة.

لطالما صُوِّرت الدول “الساحلية” في الساحل الإفريقي ككيانات مغلقة، حبيسة الداخل القاري، في تصور يُنتج نمطًا جغرافيًا سلبياً يربط الموقع القاري بالعزلة والصعوبات الاقتصادية. غير أن هذه “القارية”، التي كانت مركزية في التاريخ السياسي والاقتصادي لغرب إفريقيا، تحوّلت إلى موقع هامشي بفعل التأثير الاستعماري الفرنسي، الذي اختار التمركز على السواحل، وأخضع النيجر ومالي بقوات السنغاليين المجندين.

اليوم، يعرض المغرب على بلدان AES آفاقًا جديدة من الانفتاح عبر الربط البري نحو السواحل، ويقترح رؤية بديلة تُعيد تأويل مفهوم الانغلاق الجغرافي. ففي الفضاء الإفريقي الغربي الجديد، الذي يتشكّل على إيقاع التحولات الدولية، بدأت القوى السياسية الناشئة في الساحل تعيد نسج العلاقات بين الداخل القاري الذي أصبح مجالاً سياديًا للدولة، والسواحل التي لا تزال في كثير من الأحيان محصورة في وضعيات شبه استعمارية.

لقد كان الانغلاق، في سياقه الكولونيالي وما بعد الكولونيالي الفرنسي، نظامًا متعمدًا من المسافات، يُقصي الداخل القاري من ديناميات الانفتاح. لكن هذه المناطق لم تكن يوماً سجينة جغرافيتها، فنحن اليوم أمام تحوّل عميق في بنية المجال الإفريقي حيث تجرى إعادة تركيب للعلاقات بين الداخل والساحل، في اتجاه تقليص الهوّة بين فضاء الدولة في عمقه القاري، والمنافذ البحرية التي لم تعد حكراً على التبادلات المعولمة.

فيما يتعلق بمساهمة المغرب في الأمن الجماعي الإفريقي، كيف تقيّم دور المملكة في الآليات الإفريقية الخاصة بالأمن الجماعي، لا سيما في إطار “الهندسة الإفريقية للسلم والأمن” التابعة للاتحاد الإفريقي؟ وهل يمكن للمغرب أن يلعب دورًا بنيويًا في مجال الوقاية من النزاعات وإدارة حلها داخل القارة؟

لقد شاركت القوات المسلحة الملكية المغربية في العديد من عمليات حفظ السلام في إفريقيا جنوب الصحراء، من كوت ديفوار إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، من خلال إرسال وحدات عسكرية ضمن البعثات الأممية. ومع ذلك لا يبدو أن هناك هوية مغربية واضحة المعالم في تصور العودة إلى السلم داخل هذا الفضاء الإفريقي.

لكي يتمكن المغرب من لعب دور فعّال في بناء السلام، كما هو الحال في السودان أو ليبيا مثلاً، فإن الأمر يتطلب امتلاك عقيدة استراتيجية خاصة به في مجال الوساطة وحل النزاعات. فالمملكة لا يمكن أن تكتفي بدور تقني أو تنفيذي ضمن هندسات أمنية وضعتها قوى خارجية، بل تحتاج إلى بلورة رؤية مغربية خالصة لبناء السلام.

مرة أخرى، نلاحظ كيف يلجأ بعض الباحثين إلى فكر ابن خلدون لفهم ديناميات التحول في ليبيا، بدءًا من انهيار الطريقة السنوسية على يد القذافي، وصولاً إلى التمزقات الجهوية التي تنافس اليوم على احتكار السيادة، في ظل الإرث المركزي الذي تركه الاستعمار في طرابلس.

لإنتاج فكر سيادي مغربي حول السلام يجب الانفصال عن النماذج النيوليبرالية المفروضة على عمليات بناء السلام. هذه النماذج، التي تستنسخ وصفات جاهزة، تغفل السياقات المحلية، وتحاول فرض معايير غربية، رغم أن الغرب الاستعماري هو ذاته أصل كثير من الأزمات الإفريقية التي نراها اليوم.

من هذا المنطلق، فإن مساهمة المغرب في السلام الإفريقي لا ينبغي أن تقتصر على البُعد العملياتي أو العسكري، بل عليها أن ترتكز على تصور فلسفي واستراتيجي جديد، ينبع من التاريخ المشترك، ويُعيد الاعتبار للوساطة، والمصالحة، والعدالة المجتمعية، كمرتكزات لبناء سلم إفريقي حقيقي.

المصدر: هسبريس

شاركها.