قالت ورقة بحثية إن المغرب شهد خلال العقدين الأخيرين تحولات لافتة في خريطته الديموغرافية بفعل تزايد أعداد الأجانب المقيمين على أراضيه، موردة أنه رغم محدودية هذه الأعداد مقارنة بالساكنة الوطنية فإن حضورهم أصبح أكثر تنوعًا وانتشارًا داخل النسيج الحضري والاقتصادي، ما يدحض التصورات السائدة حول مشروع تغيير ديموغرافي متعمد.

الورقة التي أعدها حسن بنطالب، الباحث المتخصص في قضايا الهجرة واللجوء، استندت إلى معطيات الإحصاءات العامة للسكان والسكنى (2004، 2014، 2024)، وأبرزت أن الأخيرة تكشف عن مسار متدرج في حضور الأجانب بالمغرب؛ ففي 2004 كان العدد محدودًا ومتمركزًا أساسًا في الدار البيضاء والرباط، مع هيمنة للجالية الفرنسية، وبداية ظهور المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء.

وعام 2014 عرفت البلاد ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 63 بالمائة في عدد الأجانب، خصوصًا في خمس جهات حضرية كبرى، مع بروز جاليات سنغالية وإفريقية متنوعة، وتزايد القاصرين غير المرافقين. وتميزت هذه المرحلة بارتفاع نسبة الشباب ذوي التعليم العالي، واندماج أفضل في سوق العمل.

أما في 2024 فاستقر النمو بوتيرة أكثر اعتدالًا (5.6 بالمائة سنويًا)، مع استمرار التركز في المدن الكبرى. وظهر جيل أكثر استقرارًا على المستوى الأسري، إذ تزايدت حالات الزواج وتأسيس الأسر. كما ارتفع حضور الأجانب في القطاع الخاص وريادة الأعمال، حيث يعمل أكثر من نصفهم كأجراء، بينما يدير 20 بالمائة منهم مشاريع مستقلة.

وترصد الورقة اتجاهات عدة للهجرة: أولها أن المغرب بات يمثل ملتقى طرق للهجرة الإفريقية والمتوسطية، مع توسع حضري ساعد على إدماج المهاجرين، ثانيها أن المهاجرين يتميزون بالتنوع التعليمي والمهني، ما يجعلهم أكثر حيوية على المستوى الاقتصادي، وثالثها أن حضورهم يظل متركزًا جغرافيًا في “ممرات حضرية” محدودة، ما يقلل من أثرهم على البنية السكانية الوطنية.

كما تشير الدراسة إلى أن جزءًا كبيرًا من الهجرة يتسم بالطابع المؤقت والدائري، إذ يعود المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية أو يتحركون عبر الحدود باستمرار، ما يجعل من الصعب الحديث عن “تغيير ديموغرافي دائم”.
وتؤكد الورقة البحثية أن الادعاءات التي تربط وجود الأجانب بمخطط ديموغرافي ممنهج تفتقر إلى سند واقعي؛ فالمهاجرون ليسوا كتلة متجانسة، بل تجمعهم مسارات فردية متنوعة: بعضهم يسعون إلى العمل المؤقت، وآخرون يدرسون أو يلتحقون بعائلاتهم، وغيرهم يبحثون عن اللجوء؛ كما أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية تدفع الكثير منهم إلى تأجيل الزواج والإنجاب، ما يقلل من أي أثر سريع على التركيبة السكانية.

أمام هذا الواقع توصي الوثيقة البحثية بضرورة وضع سياسة هجرة وطنية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار تنوع أنماط الهجرة والسياقات الاجتماعية والاقتصادية. وتشمل هذه السياسة: تنظيم التدفقات وتعزيز الاندماج الاجتماعي، مع حماية حقوق المهاجرين، وتكييف السياسات محليًا لدعم المدن الكبرى التي تستقبل العدد الأكبر من الأجانب، وأيضا تحديث التشريعات الخاصة بالهجرة والتسوية القانونية والحقوق الاجتماعية؛ وكذا تطوير خطاب توعوي إيجابي لمواجهة الصور النمطية وتعزيز التماسك الاجتماعي.

كما توصي الورقة بإرساء نظام دقيق للبيانات لمتابعة التحولات وتقييم السياسات، وأيضا تعزيز التعاون الدولي عبر شراكات ثنائية ومتعددة الأطراف لضمان إدارة إنسانية وفعالة للهجرة.

المصدر: هسبريس

شاركها.