منتدى الإعلام السوداني

حنان موسى

الخرطوم، 20 سبتمبر 2025، (مركز الألق للخدمات الصحفية)   حقائب فارغة، بيوت مهدمة، ووجوه أنهكها النزوح، آلاف السودانيين اتخذوا قرار العودة. بعد أكثر من عامين من المعاناة بين النزوح ودروب اللجوء، يتدفق المواطنون من جديد نحو الخرطوم والجزيرة وسنار وغيرها من الولايات التي هجّروا منها قسراً، متحدّين الخراب الذي تركته الحرب خلفها.

عادوا يحملون حلم الاستقرار، حتى لو كان محفوفًا بالمخاطر. في أحياء غمرها الدمار، يحاولون أن يبدأوا من الصفر. لكن عودتهم جاءت مثقلة بالتحديات؛ فلا خدمات أساسية، ولا بيئة صحية، ولا مصدر دخل يعينهم على مواجهة واقع يزداد قسوة.

ورغم المخاطر، يتشبث العائدون بخيط الأمل في حياة مستقرة، فيما يظل حلم إعادة الإعمار والاهتمام الرسمي مجرد مطلب يترقبون أن يتحول يوماً إلى حقيقة. ولكن كما هو الحال دوما يقع العبء الأكبر على النساء اللاتي يحاولن إيجاد معادلة بين محدودية مصادر الدخل وتأمين وتسيير حياة وعيش آمن لأسرهن.

شكاوي ومخاوف

جميلة العائدة من رحلة نزوح متعبة قالت : “عدنا إلى الخرطوم  ،حيث نقطن منطقة دار السلام  بعد رحلة نزوح قاسية، إلا أننا  وجدنا مجموعة تحديات، أولها إنعدام فرص العمل، فقط نعتمد على ما يرسله لنا الأبناء الذين فروا أيضا نحو الولايات الآمنة وحاولوا العمل لتوفير لقمة العيش. فضلاً عن انعدام الخدمات الأساسية من المياه  والكهرباء والمواصلات “.

وأضافت جميلة قولها : ” بالرغم من كل  هذه المصاعب فإننا سعيدين بالعودة لمنازلنا ” . وناشدت  الجهات المسؤولة بتوفير فرص العمل وخدمات الصحة، حيث لا تتوفر مشافى أو مراكز صحية قريبة من الاحياء في ظل انتشار الأوبئة، وإذا توفرت فأن تكاليف العلاج عالية جدا في ظل انعدام مصادر الدخل للمواطن .

تهاني مواطنة عائدة، تحكي المأساة التي رافقتهم منذ لحظات النزوح حتى العودة، مشيرة الى انعدام مصادر الدخل، إذ شكت بقولها : “كنا نعتمد على (طبلية) صغيرة يعمل فيها ابنائي بجانب راتب بسيط، وهذا العائد لا يكفي لإعاشتنا ومصاريف المدارس والجامعات حيث  يدرس ابنائي.. فعلنا كل ما يمكن لأجل توفير المصروف، بناتي عملن  بالمنازل .. لم نجد مخرجاً من المعاناه وتعبنا نفسيا فقررنا العودة الى المنزل رغم كل التحديات .. لم تسلم بيوتنا من آلة الحرب وسقوط الدانات، تشققت الجدران واصبحت على حافة الانهيار ولكن لا مفر من  المعاناة ” .

وبحسب منظمة الهجرة الدولية، بلغ عدد العائدين إلى السودان حتى نهاية أغسطس 2025 حوالي 1.300 مليون شخص إلى الولايات المختلفة.

النساء.. يتغير المكان وتبقى المعاناة

زينب موسى ربة منزل، لم تجد سبيلا لمقاومة آثار الحرب وانقطاع سبل العيش، غير أنها تعمل على صنع المواقد البلدية (الكوانين)، حتى تتمكن من من إعالة أسرتها. قالت: “عدنا الى منزلنا بالرغم من المهددات لأننا ما عدنا نحتمل المعاناة ” . شاكية من انعدام الخدمات. مضيفة: “لكننا مضطرين لقد عانينا ما يكفي.. وتوقف أطفالنا عن التعليم لأكثر من عامين .. نحن في حاجة للاستمرار حتى يعود أطفالنا الى المدارس”.

ريان شابة في مقتبل العمر تحدثت عن ما يواجهها في ظروف حياة فرضتها الحرب. هي الأخرى وأسرتها أعيتهم حالة محدودية أو انعدام الدخل لتأمين معيشة الأسرة. قالت:  ” ليس لدينا مصدر دخل يعيننا على أبسط متطلبات الحياة، نعيش على راتب ضئيل.. نزحنا ثم عدنا لأننا لم نعد نقاوم تكاليف النزوح ومنصرفات الحياة اليومية ” .  وأضافت ، “مازلنا نعاني من آثار الحرب، لقدخرجنا بعد أن هددنا افرد من قوات الدعم السريع بالقتل، فاضطررنا للمغادرة  مجبرين دون استعداد لذلك.. الآن عدنا على أمل بعد متاعب كثيرة واجهناها في رحلة النزوح وكذلك العودة ولا ندري كيف ستسير الحياة بنا ” .

عزيزة سليمان:، معلمة تعيش وأسرتها على راتبها الذي بالكاد يكفي لبضع أشياء من الضروريات. يعمل يعمل أبناءها الصبيان في الأعمال الهامشية لتوفير لقمة العيش، تحدثت : ” خرجنا  بعد تعرضنا  لمضايقات من قوات الدعم السريع .. نزحنا بالرغم من تكاليف النزوح في ظل انعدام الإغاثة والعلاج ، والآن عدنا أملاً في الاستقرار ونساعد بعضنا البعض .. وبالرغم من فرحتنا بالعودة إلا اننا ووجهنا بالنقص الكبير في المعينات من اغاثة وخدمات”.  واردفت خاصة النساء في حاجة للمساعدة، مشيرة إلى مواطني منطقة دار السلام بجبل أولياء الذين لم يتلقوا أي معينات حتى الآن رغم الأوضاع المتردية في المنظقة. وقالت : “كنا نأمل في المساعدة وإعادة الخدمات بعد دخول الجيش ولكن للأسف لا توجد مساعدات”. وأضافت: “فئة النساء يعملن لمساعدة أسرهن وهن في حاجة الى التحفيز  المعنوي والمادي من الجهات المسؤولة”.

فضيلة يوسف، وهي طالبة جامعية قالت:  ذكرت بأنه وأرتها عادوا وكل ما يملكونه حصة غذائية أتوا بها من النزوح بولاية النيل الأبيض.. القليل من المواد التموينية يحاولون العيش عليها إلى حين.

وتضيف قولها: “لدى الأسرة شخص واحد يتحمل تكاليف المصروف اليومي.. دخله لا يكفي أدنى المتطلبات.. قررنا العودة بعد أن تعبنا نفسياً من النزوح… كنا نعيش في مخيم والآن سعيدين بالعودة رغم ما يواجهنا من مصاعب، لأنها اهون علينا من حياة التشرد.. حلمي نيل درجة البكالاريوس ومن ثم السفر إلى خارج السودان، بلادنا تنقصها الخدمات من ماء وكهرباء وصحة وتعليم”. معبرة أن أسوأ ما في الأمر حرمان ال أطفال من التعليم لأكثر من عامي، ومعاناتهم  من تبعات الحرب، الأمر الذي يتطلب دعم وعلاج نفسي للتأقلم مع الحياة من جديد. وقالت: “أامل أن تدخل المساعدات الإنسانية للمواطنين المحاصرين والذين تقطعت بهم السبل في كل مكان ”  .

الولاية تناشد وتعد المواطنين

وكان والي الخرطوم ولجنة إعادة إعمار ولاية الخرطوم قد أطلقت نداءات متكررة للمواطنين للعودة الى منازلهم، مشيرين في بياناتهم الى استقرار الأوضاع الأمنية بالولاية.  في الوقت الذي تؤكد فيه وزارة الصحة في أكثر من تصريح، تفشي الأمراض والحميات والإقرار بقصور إمكانياتها رغم جهودها على مكافحة الأوبئة من خلال عمليات الرش والمسح الصحي. مناشدة المواطنين بالتعاون مع الجهات المختصة فيما يتعلق بمكافحة الباعوض ونواقل  الامرض .

فيما اعلنت الهيئة القومية للكهرباء بانها تعمل على إعادة الكهرباء لعدد من الولايات المتضررة، وإن العمل في ولاية الخرطوم يجري بصورة متسارعة وقد شهدت عدد من الاحياء بالخرطوم عودة التيار الكهربائي، فيما يشكو المواطنين من عدم استقرار التيار الكهربائي بل تشهد عدد من الأحياء والمناطق انقطاع التيار لأشهر.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (مركز الألق للخدمات الصحفية) ويتناول عودة عشرات الآلاف  من المواطنين السودانيين بعد أكثر من عامين من النزوح واللجؤ رغم الدمار وغياب الخدمات الأساسية. ويسلط الضؤ بوجه خاص على النساء اللواتي يتحملن العبء الأكبر في إعالة الأسر، وما يواجهن من تحديات توفير سبل العيش وسط غياب مصادر الدخل وفقدان سبل العمل ومحدودية الفرص وضآلة الرواتب لمن توفرت. كما يكشف التناقض بين النداءات الرسمية بالعودة والواقع المليء بالمخاطر والأزمات.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.