أمد/ تل أبيب: كشف تقرير لموقع “المونيتور” الأمريكي، عن توتر متصاعد بين إسرائيل والصين، بلغ ذروته أكثر هذا الأسبوع بعد اتهام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بكين بتنفيذ “حصار إعلامي” ضد إسرائيل، معترفاً أن بلاده أصبحت معزولة بشكل متزايد على المستوى الدولي.
وبحسب الموقع قال نتنياهو خلال اجتماعه يوم الإثنين، مع أكبر وفد من المشرعين الأمريكيين يزور إسرائيل على الإطلاق، “إنهم ينظمون هجومًا على شرعية إسرائيل في وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الغربي والولايات المتحدة. سيتعيّن علينا مواجهتهم، وسنواجههم بجهودنا الخاصة”.
ولم يتأخر الرد الصيني، حيث نفت السفارة الصينية في تل أبيب الاتهامات، في بيان قائلة إن بكين “صدمت من التصريحات التي أدلى بها الزعيم الإسرائيلي”.
جذور التوتر
يُظهر هذا التبادل الحادّ التحوّل في العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية الصينية خلال العامين الماضيين. وفي الوقت الذي يعتبر فيه المراقبون السياسيون في إسرائيل أن بعض المسؤولين الصينيين نشروا تصريحات معادية لإسرائيل، وأعربوا عن دعمهم لحماس وإيران، فإن البعض يشك في أن الحكومة الصينية ذهبت إلى حد تنظيم أو تمويل أو توجيه حملات إعلامية ضد إسرائيل.
ونقل موقع المونيتور، عن غاليا لافي، نائبة مدير مركز سياسات إسرائيل والصين في مؤسسة ديان وجيلفورد جليزر: قولها “ليس واضحًا لي ما الذي استند إليه نتنياهو في اتهامه. ربما كان يحاول كسب ود واشنطن، خاصةً أنه أدلى بهذه التصريحات أثناء زيارة وزير الخارجية ماركو روبيو لإسرائيل”.
ويعتقد محللون آخرون أن تعليق نتنياهو ربما كان محاولةً للرد على موقف بكين المؤيد للفلسطينيين بل والمؤيد أحيانًا لحماس منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. ففي فبراير/شباط 2024، على سبيل المثال، أبلغت الصين محكمة العدل الدولية أن استخدام الفلسطينيين للقوة “لمقاومة القمع الأجنبي” هو “حق غير قابل للتصرف”. وقد تصدّر هذا البيان عناوين الصحف العالمية حينها، ورحّبت به حماس.
دولة معادية
ويبدو أن ما ذهب إليه نتنياهو قد يجد له مبررات في الداخل، حيث أظهر استطلاع للرأي نشره معهد الدراسات الأمنية، في أبريل/نيسان 2024، أن 54% من الإسرائيليين يعتبرون الصين دولة معادية أو غير صديقة، مما يشير إلى أن نتنياهو ربما كان يستغل هذه المشاعر المعادية للصين لإرضاء الناخبين، وتعزيز صورته في الداخل كزعيم قوي.
وقالت غاليا لافي، إنه في استطلاعات الرأي التي أجراها مركزها السياسي قبل هجوم حماس، كان العديد من الإسرائيليين محايدين تجاه الصين، بل اعتبروها صديقة. وأضافت: “تغير هذا تمامًا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ أصبح المواطن الإسرائيلي العادي يعتبر الصين دولة معادية، وهي دولة في نفس معسكر إيران وروسيا وكوريا الشمالية، وتدعم أعداء إسرائيل”.
الاستثمارات والتبادل التجاري
تدهورت العلاقات الثنائية بين إسرائيل والصين بشكل كبير خلال العامين الماضيين، لكن قبل ذلك وخلال العقدين الماضيين، استثمرت الصين بكثافة في شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية، بالإضافة إلى البنية التحتية، لا سيما في الموانئ البحرية.
وأظهر تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي، العام 2021، أن الشركات الصينية أبرمت 450 صفقة في إسرائيل، شملت استثمارات وعمليات شراء، بين عامي 2002 و2020.
وأشار لافي، إلى أنه في الفترة ما بين عامي 2001 و2022، شاركت الشركات الصينية وفازت بعدد أكبر من مناقصات البنية التحتية العامة عالية القيمة مقارنة بأي دولة أجنبية أخرى.
ومع تراجع الاستثمار الصيني في إسرائيل، تواصل الصادرات الصينية إلى إسرائيل نموها، بينما انخفضت الصادرات الإسرائيلية إلى الصين.
ففي العام 2024، بلغت الواردات الإسرائيلية من الصين رقمًا قياسيًا بلغ 13.53 مليار دولار، بزيادة قدرها 19.8% عن 11.29 مليار دولار في العام 2023. في المقابل، انخفضت صادرات إسرائيل إلى الصين إلى 2.759 مليار دولار في العام 2024، من 3.299 مليار دولار في العام السابق.
وتتذبذب الأرقام الآن: ففي يونيو 2025، صدّرت إسرائيل بضائع بقيمة 1.87 مليار دولار إلى الصين، بزيادة قدرها 227% مقارنة بيونيو 2024.
الصين.. داعم أم وسيط؟
منذ هجوم حماس، سعت بكين إلى ترسيخ مكانتها كوسيط سلام في الشرق الأوسط، داعيةً إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإقامة دولة فلسطينية.
وفي الأسابيع التي تلت الهجوم، استضافت الصين وزراء خارجية 5 دول إسلامية. وعلى مدار العامين الماضيين، دأبت تصريحاتها على التأكيد على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.
وفي يوليو/تموز 2024، استضافت الصين وفودًا من حماس وفتح في محاولة لتعزيز المصالحة، خاصة أن موقف بكين من القضية الفلسطينية ثابت وليس جديداً.
إنعاش العلاقات
في الأيام الأولى التي تلت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، انخفضت الاتصالات الدبلوماسية بين إسرائيل والصين إلى أدنى مستوياتها، بمبادرة من بكين. لكنه في الأشهر الأخيرة، بذلت الصين جهودًا لإحياء الحوار الذي سبق العام 2023.
وبحسب المونيتور، مثّل تعيين الدبلوماسي المخضرم، شياو جون تشنغ، سفيرًا لدى إسرائيل في ديسمبر 2024، وهو خبيرٌ في شؤون الشرق الأوسط، تحوّلًا استراتيجيًا من بكين، يهدف إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل. ولا يعني هذا أن بكين توقفت عن انتقاد إسرائيل أو أنها غيّرت خطابها المعادي لها، ولكنه يُشير إلى رغبة القيادة في إعادة العلاقات إلى حالة تُعامل فيها السياسة والاقتصاد بشكل منفصل.
وقال دبلوماسي إسرائيلي سابق، إن “اتهام نتنياهو لبكين كان غير مسؤول”، مضيفًا أنه على الرغم من الانتقادات الصينية اللاذعة للأفعال الإسرائيلية، فإن بكين ليست عدوًا لإسرائيل.
وتابع: “لن تكسب إسرائيل شيئًا من معاداة الصين، وهي قوة عظمى وعضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.