
هدنة الثلاثة أشهر.. رأفةً بالمنكوبين وتمهيداً للسلام
عمر الدقير*
أثار بيان الرباعية الأخير بشأن الأزمة في السودان اهتماماً واسعاً بما تضمّنه من مبادئ ومقترحات، من أهمها الدعوة إلى هدنة إنسانية لثلاثة أشهر تُمهِّد لإيقاف دائم لإطلاق النار وعملية انتقالية تقود إلى حكم مدني كامل.. وقد حظي البيان بتأييد إقليمي ودولي كبير وترحيب داخلي من عديد الأحزاب السياسية والكتل المدنية، بينما عارضته الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني.
إن هدنة الثلاثة أشهر المقترحة تمثل مطلباً إنسانياً مُلحّاً لدرء المآسي المتلاحقة؛ فبينما تصبّ آلة الحرب حممها على المدنيين، تنهش الأوبئة الأجساد وتزهق الأرواح، ويكابد الملايين مشقة الحصول على الغذاء، مع تدهور الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكهرباء ومياه.. ولم يكن آخر فصول هذه المآسي ما حدث قبل أيام حين قضى شبابٌ سودانيون غرقاً في البحر الأبيض المتوسط، خلال محاولة لجوء تراجيدية إلى أروبا، فراراً من وطنٍ حولته الحرب إلى جحيم ولم تترك لأهله مكاناً يمكن النوم فيه باستغراق غير القبور، حتى لو كانت في لجة البحر!
وإذا كانت الهدنة مطلب إنساني، فهي أيضاً خطوة لازمة لتهيئة المناخ للحل السياسي التوافقي، الذي لن يكتسب شرعيته وفعاليته إلا إذا انطلق بإرادة سودانية.. وفي هذا السياق ومع الترحيب بدور الاتحاد الأفريقي والإيغاد وغيرهما في تيسير العملية السياسية فإن الدعوات التي وُجِّهت لعدد من الأحزاب والكتل المدنية لعقد اجتماع بمقر الاتحاد الأفريقي أوائل الشهر المقبل، بأجندة وأطراف معدة سلفاً، لا تُشكِّل مدخلاً سليماً لنجاح العملية السياسية؛ إذ إن نجاحها مرهون بملكية وقيادة السودانيين لها، وبالتالي تحديد مواقيتها وأجندتها وأطرافها عبر التشاور بينهم، لا عبر وصفة تُستحضَر بمعزلٍ عنهم.
نأمل أن تتم الاستجابة لنداء الضمير الإنساني ويُنفّذ مقترح هدنة الثلاثة أشهر بسرعة وجدية ومصداقية رأفةً بالمرضى والجوعى والمُشرّدين وكلِّ المنكوبين، وتمهيداً لمسار الحل السياسي العادل والشامل.
* رئيس حزب المؤتمر السوداني
19 سبتمبر 2025
المصدر: صحيفة التغيير