تتجه أنظار المراقبين إلى دولة جنوب السودان، حيث من المقرر أن تبدأ يوم الاثنين المقبل محاكمة الدكتور «رياك مشار»، النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق، والمتهم من قبل السلطات بارتكاب جرائم خطيرة مثل الخيانة والقتل، فيما يؤكد محاميه الرئيسي، «كور لوال»، أن فريق الدفاع جاهز للمحاكمة، وأن «مشار» وجميع المتهمين بصحة جيدة وجاهزون للمثول أمام المحكمة.
التغيير ــ و كالات
تأتي محاكمة «مشار»، الذي وُضع تحت الإقامة الجبرية منذ مارس 2025، في سياق سياسي معقد في جنوب السودان، الذي لا يزال يشهد تدهورًا أمنيًا وسياسيًا رغم توقيع العديد من اتفاقيات السلام. وفي مقابلة مع إذاعة «تمازج»، أشار المحامي «لوال» إلى وجود بعض النقاط الغامضة، وعلى رأسها هوية القاضي الذي سيترأس الجلسات، إلا أنه أعرب عن ثقته في قدرة قضاة جنوب السودان على التعامل مع هذه القضية البارزة، معربًا عن أمله في أن تكون المحاكمة عادلة.
كما أكد «لوال» أنه التقى جميع المتهمين، وهم بصحة جيدة وجاهزون للمثول أمام المحكمة، باستثناء نائب رئيس الأركان العامة، «قبريال دوب لام»، الذي لم يتمكن فريق الدفاع من مقابلته لكونه لا يزال في الخدمة العسكرية.
ورفض «لوال» الكشف عن استراتيجية الدفاع، مؤكدًا أنها ستُناقش بشكل أعمق بعد الإعلان عن هوية القاضي. وأوضح أن فريق الدفاع ليس لديه حتى الآن تفاصيل التهم المحددة أو الأدلة التي تدعمها، مؤكدًا أنهم سيحددون خطوتهم المقبلة بعد تقديم الأدلة في المحكمة.
موقع المحاكمة
عبّر «لوال» عن تحفظاته بشأن احتجاز المتهمين في مقرات عسكرية، معتقدًا أن المحكمة هي المكان الأنسب لمثل هذه القضايا. كما نفى تلقي أي تأكيد رسمي بشأن إقامة المحاكمة في قاعة «الحرية»، مشيرًا إلى أن قاعات المحاكم العادية صغيرة جدًا لاستيعاب هذه القضية الكبيرة وعدد المتهمين فيها.
وعلى الصعيد السياسي، أكد «لوال» أن الحكم في قضية «رياك مشار» ستكون له تداعيات سياسية، إلا أنه شدد على أن تركيزه سينصب على الجانب القانوني للمحاكمة فقط، تاركًا الجانب السياسي للسياسيين. وفي رسالته الختامية، دعا «لوال» عائلات المتهمين والمتابعين إلى التحلي بالصبر، مؤكدًا أن الإجراءات تسير بشكل طبيعي وأن العدالة ستسود في نهاية المطاف.
يُذكر أن التهم الموجهة إلى «مشار» ترتبط بهجوم شنّته ميليشيا «الجيش الأبيض» على قاعدة عسكرية في ولاية «أعالي النيل» في مارس الماضي، والذي تقول الحكومة إنه أدى إلى مقتل أكثر من 250 جنديًا وطيارًا تابعًا للأمم المتحدة. وتتهم الحكومة «رياك مشار» بالوقوف وراء هذه الهجمات.
صراع السلطة
يُعَدّ الصراع بين الرئيس «سلفا كير» و«رياك مشار» صراعًا عميق الجذور يغذّيه الانقسامات القبلية، والتي تستغلها النخبة السياسية للحفاظ على السلطة والسيطرة على ثروات البلاد. ورغم اتفاق السلام لعام 2018، لا تزال التوترات مستمرة بين الطرفين.
وتشهد البلاد تصاعدًا في أعمال العنف في مناطق مختلفة، خاصة في ولايتي «أعالي النيل» و«جونقلي»، مما يثير مخاوف من العودة إلى حرب أهلية واسعة النطاق. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن البلاد تتأرجح على شفا صراع جديد.
ويعاني جنوب السودان أيضًا من أزمة إنسانية حادة، حيث يعتمد أكثر من 9 ملايين شخص على المساعدات الإنسانية. وتتفاقم هذه الأزمة بسبب الفيضانات، وانتشار الأمراض، وتزايد انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى تأثيرات الحرب في السودان المجاورة. كما صدرت مؤخرًا تقارير من الأمم المتحدة تفيد بأن الفساد الحكومي المنهجي قد أدى إلى نهب مليارات الدولارات من الإيرادات العامة، مما يعيق توفير الخدمات الأساسية ويساهم بشكل مباشر في الأزمة الإنسانية ويعيق الاستقرار.
المصدر: صحيفة التغيير