أمد/ مقدمة:
غالبًا ما تُقيَّم السياسة من خلال الأخبار اللحظية، البيانات الرسمية، أو التغطية الإعلامية، الأمر الذي يولّد ما يمكن تسميته بـ”السطحية السياسية”. هذه السطحية تجعل الناس يظنون أنهم يفهمون الواقع السياسي بمجرد متابعة الترند أو الشعارات، بينما الحقيقة الميدانية والاستراتيجية أعقد بكثير.
النقاط الرئيسية لفهم الاستراتيجية:
1. بقاء الاحتلال أو الهيمنة مرهون بأسباب وجوده
أي مشروع احتلال أو نظام هيمنة يستمر طالما مبررات وجوده قائمة: الدعم الدولي، السيطرة على الأرض والسكان، والتحالفات الاستراتيجية. زوال هذه الأسباب يؤدي إلى تآكل قوته حتى لو بدا قويًا على المدى القصير.
2. التمويه الإعلامي واستغلال الثغرات لتعزيز الرواية
السيطرة على السرد الإعلامي واستغلال الثغرات هي أدوات أساسية لاستمرار المشروع. الأحداث، الرموز، أو أي مؤشرات يمكن توظيفها لتشكيل صورة عامة لصالح النظام، مع تضليل الجمهور عن الأهداف الحقيقية.
3. التركيز على الاستراتيجية الأساسية مع تغير التكتيك باستمرار
المشاريع الاستراتيجية الناجحة تركز على أهداف بعيدة المدى، بينما تتغير أساليب التنفيذ أو التكتيكات بحسب الظروف دون التأثير على الهدف النهائي. هذا يسمح للنظام بالمرونة في إدارة الأحداث والاستفادة من أي أزمة لتعزيز موقعه الاستراتيجي.
4. إظهار أهداف معلنة تتعارض مع الأهداف الحقيقية
كثير من الأنظمة تعلن أهدافًا رسمية أو شعارات علنية لتبرير سياساتها، بينما تظل أهدافها الحقيقية مركزة على السيطرة، الهيمنة، أو الاستفادة الاستراتيجية من الموارد والمواقع الحساسة. هذا التناقض يتيح للنظام إدارة الرأي العام وتحقيق مصالحه بعيدًا عن التدقيق المباشر.
الواقع العسكري والسياسي والقانوني:
الأنظمة التي تبني قوتها على الاحتلال أو الهيمنة غالبًا ما تمتلك قدرة على حسم المواجهات التكتيكية بسرعة، وتستثمر أي صراع لتعزيز موقعها الاستراتيجي. كما تخلق أدوات قانونية ومؤسسية تحمي وجودها، مثل توجيه الإجراءات القانونية نحو الأفراد بدلًا من الدولة، واستغلال الحماية الدولية لتعويض أي خسائر مؤقتة.
العلاقة بين التكتيك والاستراتيجية وحدودها:
السطحية السياسية غالبًا ما تركز على الأحداث اللحظية، بينما الاستراتيجية الحقيقية تتعلق بالحفاظ على الهيمنة على الأرض، الاعتماد على الدعم الدولي، واستغلال أي أزمة لتعزيز القوة على المدى الطويل. ومع ذلك، حتى أقوى المشاريع الاستراتيجية ليست مطلقة؛ فبقاءها مرتبط بأسباب وجودها الأساسية. زوال هذه الأسباب يؤدي إلى ضعفها أو انهيارها، بغض النظر عن مظاهر القوة اللحظية.
تعزيز التفكير النقدي لدى القارئ:
للقارئ الواعي، يصبح من الضروري التمييز بين الرواية الإعلامية والواقع الميداني، بين المكاسب التكتيكية المؤقتة والقوة الاستراتيجية الحقيقية، وبين الأهداف المعلنة والأهداف الفعلية للنظام. هذه القدرة على التمييز تمنح فهمًا أعمق وأكثر واقعية للسياسة والهيمنة، بعيدًا عن الانفعالات أو الشعارات.
الخلاصة:
التحليل الواقعي يجب أن يميز بين المكاسب الظاهرية والخسائر الرمزية، وبين القوة التكتيكية والقوة الاستراتيجية. الأنظمة التي تعتمد على الهيمنة تبدو قوية، لكنها تعتمد في استمرارها على شرط وجودها: الأسباب التي أبقتها قائمة، مثل دعم القوى الكبرى أو السيطرة على الأرض والموارد. زوال هذه الأسباب يؤدي إلى تآكل قوتها أو انهيارها، مهما بدت مظاهر القوة على المدى القصير.