ترجمة سارة أبو شادي

فوّض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بحشد الدعم الإقليمي والدولي حول مقترحه لإنشاء هيئة انتقالية لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، تمهيدًا لتسليمه إلى السلطة الفلسطينية، وذلك وفقًا لما نقلته أربعة مصادر مطلعة لصحيفة تايمز أوف إسرائيل.

كان بلير قد بدأ في صياغة هذا المقترح خلال الأشهر الأولى من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، باعتباره خطة لمرحلة “اليوم التالي”. غير أن المقترح تطوّر في الأشهر الأخيرة ليصبح أيضًا إطارًا لإنهاء الحرب فعليًا، بعدما خلصت إدارة ترامب إلى أن التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الرئيسية المعنية بشأن الجهة التي ستخلف حماس في حكم غزة يُعد شرطًا أساسيًا لضمان وقف دائم لإطلاق النار والتوصل إلى صفقة للإفراج عن الأسرى، بحسب ما أفاد مسؤول أمريكي ومصدر آخر مطلع على الأمر.

بينما تم الكشف مسبقًا عن مشاركة بلير في تخطيط ما بعد الحرب في غزة، إلى جانب مشاركته في جلسة سياسات البيت الأبيض بتاريخ 27 أغسطس بشأن الموضوع، إلا أن تفاصيل مقترحه لم تُنشر حتى الآن بشكل رسمي.

ليست خطة تهجير

يتصور المقترح — وهو مسودة مطورة حصلت عليها “تايمز أوف إسرائيل” وتم التحقق من صحتها — إنشاء “الهيئة الانتقالية الدولية لغزة” (GITA) إلى جانب سلسلة من الهياكل الفرعية.

ربطت تقارير سابقة بلير بجهود تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة أو بناء “ريفيرا ترامب” في القطاع، لكن المقترح الفعلي لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق لا يذكر تلك الأفكار حتى، بل يتصور إنشاء “وحدة الحفاظ على حقوق الملكية”، التي تهدف إلى ضمان ألا يضر أي رحيل طوعي للغزيين بحقهم في العودة إلى القطاع أو الاحتفاظ بملكية العقار.

“ليس لدينا خطة لنقل سكان غزة إلى خارج غزة. غزة للغزيين”، قال مصدر مشارك في مناقشات حول خطة بلير.

خطط أخرى قُدمت لإدارة ترامب من قبل أطراف لها صلات بوزير الشؤون الاستراتيجية المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، رون ديرمر، أو من قبل أولئك المشاركين في إنشاء “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF) و”مجموعة بوسطن الاستشارية” (BCG)، روّجت لفكرة تسهيل أو تشجيع “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين من غزة.

لكن ترامب — الذي منح الشرعية لأول مرة لمفهوم “الهجرة الطوعية” في فبراير عندما أعلن خطته للسيطرة على غزة وإعادة توطين سكان القطاع بالكامل بشكل دائم — ابتعد منذ ذلك الحين عن الفكرة، وخلال جلسة السياسات في البيت الأبيض في 27 أغسطس أوضح أنه سيمضي قدمًا بخطة بلير بدلًا منها، بحسب ما قال المسؤول الأمريكي.

وأشار المسؤول الأمريكي إلى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على ما يبدو غير مدرك لذلك القرار، إذ أعلن يوم الأربعاء أن قطاع غزة يمثل “فرصة عقارية ضخمة”، وأنه كان يجري محادثات مع واشنطن حول كيفية تقسيم القطاع الساحلي بعد الحرب.

ونظم اجتماع 27 أغسطس صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، الذي شغل منصب مستشار كبير خلال الولاية الأولى لترامب وبقي منخرطًا في قضايا الشرق الأوسط خلال ولايته الثانية، حيث يقدم بانتظام المشورة للمبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف.

مثلما كان الحال مع كوشنر في وقته، أوكلت لويتكوف مجموعة متنوعة من الملفات. لكن المبعوث الخاص الحالي وظف عددًا محدودًا من طاقم الدعم، ولذلك كان كوشنر يساعد في تخطيط اليوم التالي لغزة، إذ يُنظر إليه بشكل متزايد كمسألة حاسمة لتأمين صفقة إنهاء الحرب الخاصة بالإفراج عن الأسرى.

في هذا الربيع، كلّف كوشنر “معهد توني بلير للتغيير العالمي” (TBI) — الذي كان منخرطًا بالفعل في القضية بفضل علاقات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق مع قادة إسرائيليين وفلسطينيين وعرب — بوضع خطة لما بعد الحرب، بحسب ما قال المسؤول الأمريكي.

بدأ بلير بالتواصل المنتظم مع مسؤولي ترامب، مطلعًا إياهم على تقدم عمله أثناء لقائه بقادة في مختلف أنحاء المنطقة وبدء صياغة تفاصيل خطته، وفقًا لمصدر مطلع على المناقشات.

صورة 2  خطة توني بلير

كما التقى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في يوليو، بفضل ضغط خليجي على رام الله للمشاركة في المبادرة، بحسب ما قال دبلوماسي عربي.

بينما أعربت السلطة الفلسطينية عن رغبتها في الإشراف المباشر على الهيئة الحاكمة لما بعد الحرب في غزة، وتقصّر خطة بلير عن هذا الهدف، إلا أن المصدر المطلع على المناقشات قال إن رام الله “انخرطت بشكل بنّاء”.

يتصور مقترح بلير أن تمر السلطة الفلسطينية بإصلاحات كبيرة ويحد من مشاركة رام الله في الهيئة الانتقالية الدولية لغزة إلى حد كبير في مسائل التنسيق. ومع ذلك، تُذكر السلطة الفلسطينية صراحةً في جميع أنحاء الخطة، التي تتصور “التوحيد النهائي لجميع الأراضي الفلسطينية تحت السلطة الفلسطينية”.

رغم أن ذلك تطور قاومه نتنياهو بشدة، قال المصدر المطلع على المناقشات إن إسرائيل شاركت بشكل بنّاء في جهد بلير.

لكن الدبلوماسي العربي أعرب عن قدر أكبر من الشكوك، مدعيًا أن لنتنياهو تاريخًا في إرسال ديرمر للمشاركة في مثل هذه القضايا الحساسة، ثم إفشالها قبل أن تتحقق للحفاظ على ائتلافه، بما في ذلك جناحه اليميني المتطرف.

في حين منح ترامب بلير مباركته، منحه أيضًا فترة أسبوعين لتأمين الدعم الإقليمي للخطة، بحسب ما قال المسؤول الأمريكي.

انتهت تلك المهلة منذ ذلك الحين، لكنها كانت فترة زمنية يعلنها الرئيس بشكل متكرر دون التمسك بها.

صورة3خطةتونيبلير

خلال تلك الفترة، كان بلير أيضًا مثقلاً بقيام الولايات المتحدة بفرض حظر تأشيرات على كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية. ذلك القرار أدى إلى تأخير بعض اجتماعات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق مع مسؤولين خليجيين لم يرغبوا في أن يُنظر إليهم كأنهم يؤيدون قرار الإدارة الأمريكية من خلال الاجتماع مباشرة مع مبعوث فعلي لترامب بعد ذلك مباشرة، بحسب ما قاله الدبلوماسي العربي.

لكن ما كان أكثر ضررًا لجهود بلير هو الضربة الإسرائيلية في 9 سبتمبر ضد قادة حماس في الدوحة، وفقًا لما قاله المصدر المطلع على المناقشات.

كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق قد انخرط مع مصر وقطر حول إقناع حركة حماس بعدم الوقوف في طريق الخطة، قال المصدر، مضيفًا أنه رغم أن جهود بلير تعطلت مؤقتًا بفعل الضربة الإسرائيلية، إلا أن المشاركة استؤنفت منذ ذلك الحين.

كما أبرزت ضربة الدوحة ما قد يكون أحد العقبات الرئيسية التي يواجهها بلير في محاولته تسويق خطته لإسرائيل.

في حين يقول نتنياهو إن الضربة كانت تهدف إلى إرسال رسالة إلى قيادة حماس — حتى أولئك المنخرطين في مفاوضات الأسرى — مفادها أن إسرائيل ستصفي حساباتها مع جميعهم، يبدو أن الهدف من خطة بلير هو تحييد حركة حماس بوسائل غير عسكرية.

إلى جانب إنشاء بديل لحماس من خلال “الهيئة الانتقالية الدولية لغزة” (GITA)، تشير الخطة صراحة إلى مفهوم “نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج” أو DDR.

قد يكون وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أشار إلى هذه الفكرة بالذات عندما قال خلال مؤتمر صحفي مع نتنياهو في القدس إن “حماس لم يعد بإمكانها الاستمرار في الوجود كعنصر مسلح”، بدلاً من التأكيد على أن الحركة يجب ألا توجد على الإطلاق، وهو الإطار الذي يستخدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي.

في غضون ذلك، قال الدبلوماسي العربي إن بلير يواجه أيضًا معركة شاقة لإقناع أصحاب المصلحة الإقليميين الآخرين بالانضمام، حيث يربطون دعمهم بالخطة باحتوائها على إنشاء مسار لا رجعة فيه نحو دولة فلسطينية مستقبلية — وهي فكرة طالما كرهها نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف.

وقال الدبلوماسي العربي إن المسار المذكور هو واحد من قائمة مبادئ يطالب أصحاب المصلحة العرب بإدراجها في أي خطة يُطلب منهم تمويلها.

ومع ذلك، قال المصدر المنخرط في المناقشات إن بلير حقق تقدمًا مع أصحاب المصلحة الإقليميين ويسابق الزمن لدفع خطته في إطار زمني قصير.

“ليس لدينا شهور أو أسابيع. لدينا أيام”، قال المصدر.

صورة 4 خطة توني بلير

ما في الخطة

يتصور مقترح بلير أن يتم إنشاء GITA بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي.

وستكون GITA “السلطة السياسية والقانونية العليا لغزة خلال الفترة الانتقالية”، وفقًا للمسودة المطورة للخطة التي حصلت عليها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.

سيكون لمجلس إدارة GITA سبعة إلى عشرة أعضاء، من بينهم “ممثل فلسطيني واحد على الأقل مؤهل (ربما من قطاع الأعمال أو الأمن)”، ومسؤول كبير من الأمم المتحدة، وشخصيات دولية بارزة تتمتع بخبرة تنفيذية أو مالية، و”تمثيل قوي للأعضاء المسلمين” لتعزيز الشرعية الإقليمية والمصداقية الثقافية.

مخطط تنظيمي وارد في خطة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير لإنشاء “الهيئة الانتقالية الدولية لغزة” وحصلت عليه “تايمز أوف إسرائيل” في سبتمبر 2025. كما سيُكلف المجلس بـ”إصدار قرارات ملزمة، والموافقة على التشريعات والتعيينات وتوفير التوجيه الاستراتيجي”، بينما يرفع تقاريره إلى مجلس الأمن الدولي.

وسيتم تعيين رئيس المجلس بتوافق دولي ويحصل على تأييد مجلس الأمن الدولي. وسيقود الرئيس المشاركة الخارجية والدبلوماسية لـ GITA ويحدد الاتجاه السياسي للهيئة بينما ينسق عن كثب مع السلطة الفلسطينية، بحسب الوثيقة.

وسيكون لدى رئيس مجلس GITA فريق دعم مكون من ما يصل إلى 25 شخصًا يخدمون في “الأمانة الاستراتيجية”. كما تتصور الخطة إنشاء “وحدة حماية تنفيذية” “يعمل بها عناصر نخبة من مساهمين عرب ودوليين” لحماية قيادة GITA.

وستكون هناك “أمانة تنفيذية” تحت GITA لتعمل كمركز إداري وذراع تنفيذي لها، بينما تشرف مباشرة على “الهيئة التنفيذية الفلسطينية” (PEA).

الهيئة الأخيرة هي ما يُشار إليه غالبًا كلجنة من التكنوقراط الفلسطينيين المستقلين الذين سيكونون مسؤولين عن إدارة غزة بعد الحرب.

صورة 5 خطة توني بلير

تنسيق السلطة الفلسطينية

وسترفع اللجنة تقاريرها إلى الأمانة التنفيذية وهي مجموعة من خمسة مفوضين يشرفون على مجالات رئيسية من حكم غزة: الشؤون الإنسانية، إعادة الإعمار، التشريع والشؤون القانونية، الأمن، وتنسيق السلطة الفلسطينية.

الجدير بالذكر أن الخطة تنص على أن المفوض المشرف على الشؤون الإنسانية سيكون مسؤولاً عن التنسيق مع الوكالات الإنسانية، بما في ذلك “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي يطالب بعض أصحاب المصلحة العرب بتفكيكها.

أما بالنسبة لمفوض تنسيق السلطة الفلسطينية، فترى الخطة أن هدف مكتبه هو “ضمان أن تكون قرارات GITA وقرارات السلطة الفلسطينية، قدر الإمكان، متوافقة ومتسقة مع التوحيد النهائي لجميع الأراضي الفلسطينية تحت السلطة الفلسطينية”.

وسيعمل المفوض أيضًا على “متابعة جهود إصلاح السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع المانحين الدوليين والمؤسسات المالية والشركاء العرب المنخرطين في تطوير المؤسسات الفلسطينية”.

وشدد المصدر المنخرط في المناقشات على أن الإصلاحات التي تتوقعها خطة بلير من السلطة الفلسطينية “ليست شكلية”، وأن جزءًا من سبب عدم وجود جدول زمني محدد لتسليم GITA سلطة غزة إلى السلطة الفلسطينية هو أن العملية “قائمة على الأداء”.

ومع ذلك، أوضح المصدر أن الجدول الزمني سيكون عدة سنوات، “وليس عشرة”.

تتضمن الخطة إنشاء “هيئة ترويج الاستثمار والتنمية الاقتصادية لغزة” لتأمين الاستثمارات لـ GITA وإعادة إعمار غزة. ستكون “سلطة مدفوعة تجاريًا، يقودها رجال أعمال، ومكلفة بإنشاء مشاريع قابلة للاستثمار بعوائد مالية حقيقية”.

وسيُنشأ كيان منفصل لتأمين وتوزيع المنح الحكومية. كما سترفع تقاريرها إلى GITA وأمانتها التنفيذية “الهيئة التنفيذية الفلسطينية”، التي ستتفاعل بشكل مباشر أكثر مع الفلسطينيين من خلال تقديم الخدمات “عبر إدارة مهنية غير حزبية”.

وسيقود PEA مدير تنفيذي يُعين رسميًا من قبل مجلس إدارة GITA، وسيكون مسؤولاً عن الإشراف على سلسلة من الوزارات التكنوقراطية، بما في ذلك الصحة، التعليم، المالية، البنية التحتية، الشؤون القضائية والرعاية الاجتماعية.

وسترفع تقاريرها أيضًا إلى PEA البلديات الغزية، التي ستكون مسؤولة عن تقديم الخدمات على المستوى المحلي؛ وقوة شرطة مدنية غزية مكونة من ضباط “مجنّدين وطنيًا، خضعوا لفحص مهني، وغير حزبيين” مكلفين بالحفاظ على النظام العام وحماية المدنيين؛ ومجلس قضائي يرأسه قاضٍ عربي سيشرف على محاكم غزة ومكتب النيابة العامة؛ و”وحدة الحفاظ على حقوق الملكية” المذكورة سابقًا.

صورة 6 خطة توني بلير

منع عودة حماس

ستدعم قوة الشرطة المدنية “قوة الاستقرار الدولية” (ISF) — وهي قوة أمنية متعددة الجنسيات مفوضة دوليًا أُنشئت لتوفير الاستقرار الاستراتيجي والحماية العملياتية في غزة خلال الفترة الانتقالية.

في إشارة واضحة إلى مهمتها في مكافحة حماس، تقول الخطة إن ISF ستقوم بـ”تنفيذ عمليات محددة الهدف لمنع عودة الحركة، وتعطيل تهريب الأسلحة، وتحييد التهديدات غير المتكافئة للنظام العام ووظائف المؤسسات”.

في ملحق حول تكاليف GITA، تشرح الخطة أن الميزانية ستتوسع كل عام مع بدء الهيئة الحاكمة الجديدة في تنفيذ عملياتها تدريجيًا في جميع أنحاء القطاع.

تُقدر ميزانية السنة الأولى بـ90 مليون دولار، والثانية بـ135 مليون دولار، والثالثة بـ164 مليون دولار. ومع ذلك، لا تشمل هذه الأرقام تكاليف ISF والمساعدات الإنسانية، وقال المصدر المطلع على المناقشات إن التقديرات كانت متحفظة.

كيفية إنهاء الحرب

رغم أن خطة بلير ليست الخطة الوحيدة لإدارة غزة بعد الحرب، إلا أنها تبدو المقترح الوحيد الذي حصل على دعم أمريكي. ومع ذلك، اعترف المصدر المنخرط في المناقشات بأنه لا يمكن اعتبارها خطة أمريكية حتى يعلن ترامب ذلك علنًا.

كما مرّ المستند بعدة جولات من التعديلات منذ أن حصلت عليه “تايمز أوف إسرائيل”، بينما يواصل بلير تلقي الملاحظات من أصحاب المصلحة، بحسب ما قال المصدر.

شاركها.