البرهان.. لم يعد في يده كثير من الأوراق

أحمد عثمان جبريل

❝ إن أخطر لحظة في عمر الطغيان هي اللحظة التي يدرك فيها أن أدواته القديمة لم تعد تنفع، وأن أشباح الماضي بدأت تخيفه هو نفسه. ❞

ميشيل فوكو

في لحظة حرجة من التاريخ السوداني، يقف الجنرال عبد الفتاح البرهان أمام مفترق طرق لا يحسد عليه.. سنوات من التحالفات الصامتة والمعلنة بينه وبين الإسلاميين، تبادلوا خلالها الغنائم وتعاونوا في إدارة ظهر المشهد السياسي.. لكن اليوم، جميع الطرق المؤدية إلى الحكم باتت محاصرة من قبل الرباعية الدولية التي لم تترك مجالًا للغموض.

بعد بيان الرباعية الأخير، وتصريحات واشنطن القاطعة: “سنتخذ كافة الإجراءات لضمان عدم عودة الإسلاميين إلى الحكم” أصبح واضحًا أن البرهان لم يعد يملك كثيرًا من الأوراق.

فهل تساءل الإسلاميون: ماذا لو قرر البرهان فعلاً فك ارتباطه بهم؟

وماذا سيكون رد فعلهم لو تأكدوا أن الحليف الأخير الذي احتموا خلفه منذ سقوط البشير، قد أغلق الباب وتركهم في العراء؟.. دعونا نستعرض معًا السيناريوهات المحتملة.

المشهد الأول: طعنات من الخلف

الإسلاميون لا يغفرون بسهولة، هكذا يرددون دائمًا.. وإذا تأكدوا من تخلي البرهان عنهم، فإن رد فعلهم لن يكون هادئًا، بل سيعتبرونه خيانة مكتملة الأركان.. لا ننسى أن تواجدهم داخل المؤسسة العسكرية تم عبر توافقات خفية بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.

الرد المتوقع لن يكون سياسيًا فقط، بل أمنيًا وربما عسكريًا. فالعناصر التابعة لهم داخل أجهزة الدولة، إن بقي منها شيء، ستتحرك حتمًا.. لديهم خلايا نائمة ومراكز نفوذ في الاقتصاد والتعليم والمساجد، ستعيد تشكيل نفسها كأذرع مقاومة للمرحلة الجديدة.

المشهد الثاني: انسحاب تحت الأرض

قد يلجأ الإسلاميون إلى استراتيجية “الكمون” وهو (فن الصبر والتوقيت) حيث يتوارون عن المشهد بشكل ظاهري ويبدأون في إعادة بناء قواعدهم من الأسفل، بعيدًا عن أعين الرقابة.

في هذا السيناريو، يتم إحياء نقابات موازية واتحادات طلابية بأسماء جديدة، ويُضخ التمويل في مشاريع اقتصادية صغيرة لتأسيس “اقتصاد ظل”.. كما فعلوا سابقًا تُدفع شخصيات بواجهات مدنية أو صوفية أو شبابية إلى المشهد، كـ”حصان طروادة” للعودة تدريجيًا.

هذا الانسحاب التكتيكي يعكس صبرًا سياسياً معروفًا لدى الجماعة، قد لا يكون فضيلة، لكنه وسيلة للبقاء.

المشهد الثالث: تحالفات الهامش

التيه السياسي الذي يعيشه السودان بعد الحرب، فتح المجال لتحالفات عشوائية غير متوقعة.. قد يجد الإسلاميون أنفسهم على طاولة واحدة مع مجموعات قبلية ناقمة، أو حركات مسلحة خارج اتفاق جوبا، أو تيارات سلفية متطرفة ترى أي تسوية خيانة للدين.

المشهد هنا يشبه بركانًا على وشك الانفجار، حيث يحمل كل طرف عود ثقاب ينتظر اللحظة المناسبة للاشتعال.

المشهد الرابع: تمرد من الداخل

الجيش السوداني لم يعد كتلة صلبة موحدة، بل ينقسم إلى تيارات متباينة.. إذا قرر البرهان قطع الحبل مع الإسلاميين، فقد تكون هذه الخطوة بمثابة صافرة تمرد داخل المؤسسة العسكرية.

بعض الضباط قد يرون في ذلك تنازلاً مرفوضًا تحت ضغط خارجي، في حين يراه آخرون ضرورة لإنقاذ المؤسسة.. والنتيجة المحتملة هي انقسام جديد داخل الجيش، وربما محاولات تمرد أو حتى انقلاب داخلي.

المشهد الخامس: الرهان الدولي على البرهان.. بشروط

المجتمع الدولي، خاصة واشنطن، لم يعد يثق في تصريحات البرهان (الغامضة).. بيان الرباعية الأخير كان واضحًا: “لا عودة للإسلاميين”.

البرهان أمام خيارين: إما أن يتحول إلى حليف للتسوية الجديدة ضمن ضمانات بعدم المحاسبة، أو أن يخرج من المشهد بشكل مشرف، ويترك المجال لقوى مدنية تقود المرحلة الانتقالية.. في كلا الحالتين، لا مكان للإسلاميين في المعادلة الجديدة.. أو هكذا يبدو.

ماذا تبقى؟

الواقع يقول إن السودان اليوم يشبه خشبة مسرح مظلمة بعد الحرب.. كل الممثلين ينتظرون دورهم؛ البرهان يراقب المشهد من فوق الخشبة، الإسلاميون خلف الستار، والمجتمع الدولي في مقاعد المتفرجين، لكن هذه المرة بأصوات مرتفعة وتعليمات حاسمة.

السيناريوهات مفتوحة والاحتمالات قابلة للانفجار، لكن الثابت الوحيد وسط كل هذه الفوضى، هو أن السودان، ممثلًا في البرهان، إذا أراد الخروج من أزمته، فعليه أن يواجه “أشباح” الماضي الذين يجلسون خلف الستار بشجاعة لا بمناورات اللحظة الأخيرة.

ولعل أكثر ما يحتاجه الجنرال الآن هو فكر قائد واضح الرؤية، وجرأة تقول: كفى.. كفي وبس.

إنا لله ياخ.. الله غالب.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.