البيان المشترك الصادر عن الولايات المتحدة ومصر والسعودية حول السودان لا يمكن النظر إليه بوصفه مجرّد إعلان دبلوماسي عابر، بل باعتباره انعكاسا مباشرا لتنامي خطورة الصراع السوداني وتحوّله إلى أزمة معقّدة تتجاوز حدود الخرطوم لتفرض نفسها على معادلة الأمن الإقليمي والدولي.

التغيير ــ وكالات

فالتوصيف الذي ورد في البيان بأنّ الحرب الراهنة تمثّل “أسوأ أزمة إنسانية في العالم” ليس توصيفا مبالغا فيه بقدر ما هو اعتراف رسمي بحجم المأساة التي يعيشها ملايين السودانيين بين نزوح وجوع وانهيار كامل لمؤسسات الدولة. كما أنّ الدعوة الأميركية لاستضافة هذه المشاورات تكشف عن رغبة واشنطن في إعادة الإمساك بخيوط الملف السوداني، لكن بمشاركة قوى إقليمية محورية مثل القاهرة والرياض، وهو ما يعكس إدراكا جماعيا بأن استمرار الحرب لا يهدد السودان وحده، بل يفتح الباب أمام انفلاتات أمنية عابرة للحدود تمتد من البحر الأحمر إلى القرن الإفريقي ومنطقة الساحل. بذلك يصبح البيان المشترك خطوة أولى نحو بلورة “توافق ثلاثي” يوازن بين مصالح القوى الكبرى وحسابات الفاعلين الإقليميين، في محاولة لإنتاج مقاربة أكثر واقعية لإنهاء الصراع.

وفي هذا السياق، صرّح الباحث محمد اليمني المصري بحسب “الأيام نيوز” قائلا: “لا شك أن السودان يعيش اليوم أزمة إنسانية خانقة على مختلف المستويات، سواء في ما يتعلق بالجانب الإنساني المباشر من معاناة المدنيين، أو بما يتصل بملفات الهجرة والنزوح التي باتت تتفاقم بوتيرة غير مسبوقة. ولعل المقارنة بما يجري في قطاع غزة تمنح القارئ صورة أوضح عن حجم الكارثة، مع إدراكنا أن الوضع في غزة أوسع وأكثر تعقيدا، غير أن السودان بدوره يشهد مأساة لا تقل خطورة في أبعادها الإنسانية والإقليمية.

إلى جانب ذلك، لا يمكن إغفال حجم التدخلات الخارجية في الأزمة السودانية، إذ بات واضحا أن بعض الدول العربية تلعب أدوارا متباينة في تغذية الصراع. فالإمارات، على سبيل المثال، تعد الداعم الأول لقوات الدعم السريع، سياسيا وماليا ولوجستيا، في حين تبرز مصر كحجر زاوية ومحور ارتكاز أساسي تراهن عليه الدول العربية التي تعاني من أزمات أو حروب، نظرا لثقلها التاريخي والإقليمي ودعمها الواضح للمؤسسة العسكرية السودانية.

ومن هنا، يصبح إنهاء الحرب في السودان ضرورة قصوى، ليس فقط بسبب تداعياتها المباشرة، بل لأن استمرارها يؤدي إلى تهميش قضايا أخرى مركزية في المنطقة، مثل العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، ويغطي على تطورات إقليمية أخرى. وفي المحصلة، فإن الولايات المتحدة تملك الأدوات والقدرة لإنهاء هذا النزيف، لكنها ومعها قوى إقليمية أخرى تكتفي بمواقف الشجب أو تحاول توظيف الأزمة بما يخدم مصالحها الخاصة، وهو ما يعقّد المشهد ويدفع ثمنه الشعب السوداني قبل غيره”.

مؤمرات متواصلة

وفي إطار السياق الإقليمي والدولي المتشابك للأزمة السودانية، شدّد الدكتور النذير إبراهيم محمد أبوسيل، المستشار القانوني الدولي لتسوية المنازعات الدولية، ، على أن سيادة السودان واستقلال قراره الوطني خط أحمر لا يقبل المساومة أو التفاوض، مستندا في ذلك إلى المواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة الذي نص صراحة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وأكد أبو سيل أن الشعب السوداني يواجه منذ سنوات “مؤامرات متواصلة تستهدف أمنه ووحدته واستقلاله”، محمّلا المسؤولية بالدرجة الأولى لما وصفه بـ”مليشيات دقلو الإرهابية والمرتزقة الأجانب” الذين يتم استقدامهم وتمويلهم عبر قنوات خارجية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، معتبرا أن هذا السلوك يمثل “خرقا صارخا لمبادئ حسن الجوار وتهديدا خطيرا للأمن والسلم الإقليمي والدولي”.

وفي هذا الإطار، أوضح المستشار القانوني أن الشعب السوداني ماض في تطهير أرضه من كل المليشيات المدعومة خارجيا، مؤكدا أن يد الأحرار في السودان ممدودة لكل من أراد الوقوف إلى جانبهم، فيما وجّه تحذيرا مباشرا لكل الأطراف التي تُصرّ على التدخل في شؤون السودان الداخلية، قائلا إن إرادة السودانيين أقوى من كل المؤامرات، وأن التاريخ لن يرحم المتورطين في دعم الإرهاب والمرتزقة.

وختم أبو سيل تصريحه برسالة واضحة وصارمة: “السودان للسودانيين، وسيادته ليست موضع نقاش”.

 

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.