أظهرت بيانات حديثة أن المغرب حقق تقدماً ملحوظاً في تقليص الفجوة بين الجنسين في مجال التنمية البشرية على مدى العقدين الماضيين، ما يعكس تحسناً في مؤشرات الصحة والتعليم للنساء. ورغم هذه الإنجازات مازالت هناك فوارق هيكلية عميقة، خاصة في المجال الاقتصادي، ما يؤكد ضرورة تحويل المكتسبات القانونية والقطاعية إلى مساواة فعلية في الفرص لجميع المغربيات.
التقرير الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط أشار إلى تحسن تدريجي في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين، إذ انتقل من 0.444 سنة 2010 إلى 0.438 سنة 2023، ما يعكس انخفاضاً ولو محدوداً في الفوارق بين النساء والرجال، موردا أن “المغرب يُحرز تقدماً بطيئاً ولكنه مُطرد نحو الحدّ من عدم المساواة بين الجنسين”.
وشدد المصدر ذاته على أن “أوجه عدم المساواة العميقة مازالت قائمة، ما يعيق تنمية المرأة، كما مازال ثقل التقاليد والأعراف الاجتماعية يؤثر سلبًا على وضعها، لاسيما في المناطق الريفية، حيث مازال تقسيم العمل القائم على النوع الاجتماعي سائدًا، ومازالت أوجه عدم المساواة الاقتصادية جلية، إذ تُمثل النساء نسبة كبيرة من العمل الحر غير مدفوع الأجر، وتؤثر البطالة على النساء الحاصلات على تعليم عالٍ”.
ونبه التقرير إلى أن “المساواة بين الجنسين ليست مسألة عدالة اجتماعية، بل هي أساس التقدم البشري المشترك وبناء أمة أكثر عدلًا”، وزاد: “يتمثل التحدي في السنوات القادمة في تحويل المكاسب القانونية والتقدم القطاعي إلى تغيير مجتمعي عميق، بحيث تصبح الحقوق المتساوية فرصًا متساوية وواقعًا ملموسًا لجميع النساء المغربيات”.
وضمن المجالات التي تهم التنمية البشرية استطاع المغرب سد بعض الفجوات، إذ أبرز تقرير مندوبية التخطيط أن البلد حقق تقدماً واضحاً في مجال الصحة الإنجابية، إذ تراجع معدل وفيات الأمهات من 227 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية سنة 2000 إلى 73 حالة سنة 2018؛ كما انخفض معدل الولادات في صفوف المراهقات من 35 ولادة لكل 1000 امرأة شابة في بداية الألفية إلى 25 سنة 2023، وهو ما يعكس تراجعاً في الزواج المبكر وتحسناً في وعي الأسر بخطورة الحمل المبكر، وزاد أن هذا التقدم يعود إلى تحسين خدمات الرعاية الصحية وتنظيم الأسرة، إضافة إلى توسع برامج التوعية.
وعلى صعيد التمكين السياسي ساهم اعتماد نظام الحصص في رفع تمثيلية النساء في البرلمان من 0.6% فقط في تسعينيات القرن الماضي إلى 21.4% سنة 2023. أما في مجال التعليم فارتفعت نسبة النساء الحاصلات على مستوى تعليمي ثانوي فما فوق إلى 33% مقابل 39% لدى الرجال، مع تسجيل تقدم أوضح في جيل الفتيات الصغيرات، حيث تصل نسبة إتمام التعليم الإعدادي إلى 79% للفتيات مقابل 70% للفتيان، وفق البيانات ذاتها.
وتقول المندوبية إن هذه المؤشرات تشير إلى أن “الجيل الشاب من النساء المغربيات أكثر تعليماً من الأجيال السابقة، وهو ما يُفترض أن يُترجم في نهاية المطاف إلى تحسين فرص الحصول على وظائف ماهرة وصنع القرار”.
ونبهت الوثيقة إلى أنه رغم التقدم الملحوظ في مجالات الصحة والتعليم مازالت مشاركة النساء في سوق العمل ضعيفة جداً، إذ لم تتجاوز 19% خلال السنوات الأخيرة، مقابل 70% للرجال، وتورد أنه “في ما يتعلق بالمشاركة في سوق العمل تُثير النتائج قلقاً أكبر”.
واستند التقرير إلى تفاصيل مؤشر التنمية بين الجنسين الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يشير إلى أنه عام 2023 سجل المغرب مؤشر تنمية بشرية بلغ 0.859، ما يعني أن مؤشر التنمية البشرية للنساء لم يتجاوز 85.9% من مؤشر التنمية البشرية للرجال. ويُعد هذا بالتأكيد تحسنًا ملحوظًا مقارنةً بعام 2000، عندما كان مؤشر التنمية البشرية للنساء 0.585 فقط، بزيادة قدرها 27 نقطة مئوية، ما يعكس تضييق الفجوة بين الجنسين في التنمية البشرية على مدى عقدين.
وتابع المصدر ذاته بأنه على وجه التحديد يُقدر مؤشر التنمية البشرية للنساء المغربيات بنحو 0.642، مقارنةً بـ 0.748 للرجال عام 2023. وتوضح هذه الفجوة المستمرة أنه رغم التقدم المشترك مازالت النساء يواجهن تفاوتات هيكلية تحد من إمكاناتهن الكاملة.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب مُصنف في المجموعة الخامسة على مؤشر التنمية البشرية للنساء، وهي بلدان ذات فجوة تنمية بشرية عالية، ما يُضر بالمرأة، وفقًا لمقياس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
المصدر: هسبريس