بعد الجدل الذي رافقه خلال مروره بالمؤسسة التشريعية، صدر القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، أخيرا، ضمن الرسمية، في انتظار دخول أحكامه حيّز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر.

ولم تتم إحالة هذا القانون على المحكمة الدستورية من قبل الجهات المحددة بموجب الفصل 132 من دستور المملكة، اختياريا؛ وذلك بخلاف قانون المسطرة المدنية الذي أُحيل عليها قصد الفحص والتدقيق.

وفي وقت سابق، دعت هيئات مدنية وحقوقية إلى إحالة هذا النص على القضاء الدستوري للتحقق من مدى دستورية عدد من مواده، لا سيما المادتين الثالثة والسابعة.

وحملت المادة الثالثة منه مستجدا أساسيا، يتمثل في التنصيص على عدم إمكانية إجراء الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة؛ وذلك بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية (..).

أما المادة السابعة فقد أكدت في صيغتها الجديدة على ضرورة توفر شرط المنفعة العامة، والحصول على إذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، حتى تتمكن الجمعيات من التنصب كطرف مدني؛ وهو الأمر الذي قوبل برفض حقوقيين وجمعويين ومؤسسات دستورية كذلك.

ويعد قانون المسطرة الجنائية، وفقا لديباجته، بمثابة الشريعة العامة التي تنظم القواعد المرتبطة بممارسة الدولة لحقها في العقاب؛ وذلك انطلاقا من القاعدة التي تنص على أنه لا عقوبة إلا بحكم قضائي صادر عن جهة مختصة.

ويتكون أيضا من مجموعة من القواعد القانونية التي تضبط إجراءات البحث والتحري عن الجرائم، وتحدد كيفية ضبط مرتكبيها، ووسائل الإثبات والجهات المختصة بمتابعتهم، إلى جانب بيان إجراءات المحاكمة، وطرق الطعن في المقررات الزجرية وتنفيذها.

من جهتها أشادت وزارة العدل بـ”استكمال المسار الذي أفضى إلى الاعتماد النهائي للقانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، والمنشور في الرسمية عدد 7437 بتاريخ 8 شتنبر 2025″.

وأوضحت الوزارة ذاتها، في بلاغ لها، أن هذا الحدث يمثل محطة تاريخية تجسد الإرادة السياسية القوية للمملكة المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون وتحديث منظومة العدالة بما يواكب التحولات العميقة التي تشهدها البلاد.

وقال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، إن “هذا القانون يشكّل ركيزة أساسية في البناء الإصلاحي الكبير الذي تعرفه بلادنا، ويعكس ثقة الدولة في مؤسساتها وقدرتها على تنزيل إصلاحات كبرى تجعل من العدالة المغربية نموذجا يحتذى إقليميا ودوليا، وترسّخ الاختيار الثابت للمغرب في بناء دولة الحق والقانون ودعم مسار الديمقراطية والتنمية المستدامة.”

وأضاف وهبي أن “الحكومة الحالية، انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية، عازمة على جعل ورش إصلاح العدالة رافعة أساسية لنجاح الاستحقاقات الوطنية المقبلة؛ وفي مقدمتها احتضان المملكة لكأس العالم 2030، حيث يشكل تحديث المنظومة القضائية وضمان أمن قضائي حديث عاملا حاسما لتعزيز جاذبية المغرب الدولية وترسيخ مكانته كدولة مؤسسات وقانون”.

وأفاد بلاغ وزارة العدل بأن هذا الإصلاح الجوهري يأتي استجابة للتوجيهات السامية الواردة في الخطب الملكية الداعية إلى “تحديث السياسة الجنائية وضمان عدالة ناجعة وفعالة، وترجمة لروح دستور 2011 الذي جعل من حماية الحقوق والحريات الأساسية مرتكزا لبناء المغرب الديمقراطي الحداثي”.

وذكّر البلاغ بأن القانون الجديد يرسّخ قفزة نوعية في تكريس ضمانات المحاكمة العادلة وتعزيز الثقة في العدالة، من خلال “تحصين حقوق الدفاع وتكريس قرينة البراءة وضمان الحق في محاكمة داخل أجل معقول، مع توسيع الاستفادة من المساعدة القانونية”، و”تعزيز الضمانات المتعلقة بالحراسة النظرية، بإلزامية إخبار المشتبه فيه بحقوقه، وتمكينه من الاتصال بمحام والاستفادة من خدمات الترجمة عند الحاجة”.

وسجّلت وزارة العدل، في السياق ذاته، “الحد من اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي وحصره في أضيق الحالات، مع إلزامية تعليل قرارات الإيداع بالسجن وتفعيل بدائل احترازية حديثة”، و”تمكين الضحايا من حقوق موسَّعة، تشمل الإشعار بمآل الدعوى، والدعم القانوني والاجتماعي، مع تدابير خاصة لفائدة النساء والأطفال ضحايا العنف”، و”إحداث مرصد وطني للإجرام كآلية علمية لتوجيه السياسة الجنائية على أسس دقيقة ومعطيات موثوقة”.

وجاء في ختام البلاغ أن “اعتماد هذا النص يُعتبر لبنة مركزية في ورش إصلاح منظومة العدالة، إلى جانب مراجعة القانون الجنائي وقوانين المهن القضائية، وتسريع وتيرة التحول الرقمي داخل المحاكم”، مشددا على أن “هذا الورش الوازن، الذي قادته وزارة العدل بثبات حتى استكماله، يعزز مكانة المغرب كبلد رائد في تحديث العدالة، ويواكب طموحات النموذج التنموي الجديد ورؤية المملكة لمغرب 2030”.

المصدر: هسبريس

شاركها.